Site icon IMLebanon

«طوفان الأقصى» بمواجهة العدوان الاستعماري.. ملاحم البطولة حماية للمستقبل… وحلُّ الدولتين «سراب أبيض» جديد!

 

مع حرب «طوفان الأقصى»، الذي خرق الستاتيكو الضارب، حتى الموت حول عنق القضية الفلسطينية، عادت لوحة التدخلات الاستعمارية الدولية تضرب مجدداً في ذاكرة الشعب الفلسطيني، ومعه الشعوب العربية، امتداداً إلى الشعوب الإسلامية التي تنتمي إلى أثنيات متعددة من الشعوب القوقازية – الآرية (الفرس – الأتراك) الى شعوب الامبراطورية المنغولية، وهي واحدة من الامبراطوريات الثلاث التي اطبقت على قيادة العالمين العربي والاسلامي بعد سقوط الامبراطورية العربية (نهاية عصر العباسيين) عام 1258م.

بدت الولايات المتحدة الأميركية، التي تعدّ امتداداً لإدارة باراك أوباما، الذي كان في السلطة خلال حرب اسرائيل على قطاع غزة بين 27 ك1 (2008) الى 17 ك2 (2009) أعجز من أن تملك القدرات التي عرفت عنها في التأثير على إسرائيل، وكان وقتها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتياهو، بل الأغرب أنها تنكرت لكل ما وعدت به منذ اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993، التي سجلت (أي الاتفاقيات) أول فشل خطير العام 2000، إبان مفاوضات كمب ديفيد الثانية.

 

عام 2002 تبنت اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا) «خارطة طريق» تحدثت للمرة الأولى عما يمكن تسميته حلّ الدولتين.

منذ حرب تموز 2006 التي شنتها اسرائيل على لبنان، دخلت الجغرافيا الفلسطينية في مسارات جديدة، اسست لما حدث في 7 ك1 (2023)، إذ سجلت السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس مساراً متوافقاً مع المطالب الأميركية لجهة الرهان على توليد دولة «قابلة للتعايش مع اسرائيل» لكن هذا الرهان لم يكن في مساره الصحيح، فانتصب الجدار الفاصل، وتوسعت المستوطنات الاسرائيلية على حساب أراضي السلطة الفلسطينية.

وفي قطاع غزة، أدى فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في ك2 (2006) الى مسار متعارض، ومؤسس لوضعية، كان من غير الممكن على اسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة أن تتحملها.. فضلاً عن الاتحاد الاوروبي، فلجأت الى مقاطعة حكومة اسماعيل هنية، وتشددت في فرض الحصار، وخرجت حركة فتح (أم السلطة الفلسطينية) من قطاع غزة.

 

وبدت العالم العربي والاسلامي في قمة العجز مع حرب اسرائيل على غزة بين نهاية 2008 وبداية الـ2009، وبات الكلام على حلّ الدولتين من قبيل الوهم، ليس إلَّا…

عادت الدوائر الاستعمارية الغربية المعادية للعرب، منذ اعلان الحركة الصهيونية عن حلمها بالعودة الى «جبل صهيون» في القدس، الى ممارسة الأساليب نفسها، منذ وعد بلفور، الى الكتاب الأبيض الى قرارات التقسيم، ونغمة «السلام العادل والشامل» وصولاً الى حلّ الدولتين.

ففي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الأميركي بلينكن يتحرك بين اسرائيل و«الدول الصديقة» في المنطقة، عازفاً على حلّ الدولتين، كانت مدينة غزة والقطاع الذي تديره حماس منذ ان تمكنت من انتزاع السلطة هناك بالانتخابات، تتعرض لأخطر قصف وغزو وبربرية تعرفها الحروب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فلا ترحم حجراً ولا بشرياً ولا مقاتلاً ولا طبيباً أو طفلاً أو امرأة أو عجوزاً أو مستشفى أو مدرسة، حتى الأونروا..

والأغرب أنه كلما احتدمت المعارك، كلما حركت الولايات المتحدة، ومن خلفها بريطانيا التي كانت السبب المعلوم في نكبات العرب منذ ان كان للاستعمار الغربي طريق، الى بلاد العرب وديارهم، وصولاً الى ويلات الحربين الأولى والثانية، وانتهاك المصير العربي برمته منذ أيام الشريف حسين إلى أيامنا هذه..

تنقل مصادر المعلومات تصريحات على لسان وزير الحرب الأميركي أن بلاده هي الأقرب إلى اسرائيل في أوقات الشدائد، وكأن وصول حاملات الطائرات الأميركية من ايزنهاور إلى فورد لا تكفي للدلالة على المساندة العسكرية والاستراتيجية الكبرى لدولة الاحتلال، المتمردة على كل قانون أو وثيقة سلام دولية.. والأمر نفسه يُنقل عن وزير الدفاع البريطاني الذي قررت حكومته، تسيير طيران استطلاعي بريطاني بحثاً عمَّا يسمى بالمحتجزين لدى حركة المقاومة الفلسطينية «حماس».

لم تتمكن القمم والاحتجاجات ومؤتمر المناخ، من لجم الانزلاق الاسرائيلي الى حرب الموت والدمار في غزة، امتداداً الى ما يسمى «بالجبهة الشمالية» أي المواجهة مع حزب الله عند الحدود الجنوبية، والتي يشتد أوراها على وقع حركة الميدان على أرض غزة البطلة..

شكلت عملية «طوفان الأقصى» تطوراً انقلابياً في عمليات المقاومة الفلسطينية، مع انتقال القيادة الى الأجنحة المسلحة من التشكيلات والحركات الاسلامية، التي خرجت من عباءة التجارب القديمة، وانتهجت نهجاً قتالياً، بالغ الجهوزية للاستشهاد والفداء، مهما كلف الأمر..

أطاحت العملية بكل منظومات الأمن والعمل الاستخباراتي الخطير، فضلاً عن «الحلم اليهودي» بأن أرض فلسطين ستكون أرض دولة اسرائيل «الآمنة»، والقائدة في الشرق الأوسط..

استفادت حركة «حماس» ومعها «الجهاد» وسائر فصائل المقاومة المسلحة، من فرصة نمو حركات مقاومة، في عموم المنطقة، بدءًا من مقاومة حزب الله، وتوسع قدراته الصاروخية، والاستطلاعية والتقنية والبشرية، ليتمكن من مقارعة الاحتلال الرابض في مناطق عدة لم تحرر من جنوب لبنان (بينها القرى السبع ومزارع شبعا).

لم يكن أمام المقاومة الفلسطينية خيار سوى خيار المقاومة، وأخذ زمام المبادرة بالهجوم، وإلحاق خسائر جمة، في جنود وجيش الاحتلال، وطرح السؤال الخطير: حول مستقبل «الدولة العبرية» في شرق أوسط، تتغير معالم توازناته وتحالفاته، واستراتيجيات النمو والاقتصاد على أرضه ولشعوبه؟

من هنا، يبدو مفهوماً كلام نتنياهو عن «أزمة وجودية» تهدّد كيانه! فلجأ الى الحرب المدمرة كخيار وحيد، في محاولة لحرق غزة، المتصلة بمصر وبالضفة والممتدة على المتوسط..

ليست المفاجأة في صمود «حماس» واستبسال رجالها على أرض المعركة، بل في توهان العدو في دوامة خيارات، اسهلها تدمير القطاع ومدنه ومخيماته على اهلها، الذين رفضوا الاذعان لقصفه او دعوته لخروجهم آمنين..

المسألة، تتخطى الأمن لدولة اسرائيل، الى مخاطر شوفينية ونازية، بالغة الوضوح، لجهة تدمير شعوب، ظناً بالقدرة على تدمير المقاومة، لإعادة تفتيت ما تبقى من أرض فلسطين.. بدءًا من غزة، وهنا تكمن أسطورة الملاحم البطولية هناك.. أما حل الدولتين فهراء بهراء!