كثُر الكلام، في المرحلة الأخيرة، وخاصة لدى اندلاع حرب غزّة، حول موضوع ايجاد حلّ للقضية الفلسطينيّة لوقف وتجنّب هذه الحروب التدميرية. وفي هذا السياق جرى الاعلان والتأكيد لدى العديد من القيادات والفاعليات والمؤسسات والمراجع الدولية، على أنّ مثل هذا الحلّ المطلوب والمناسب للوضعية الفلسطينية، هو بالتحديد «حلّ الدولتين» بمعنى أن تصبح دولة فلسطين التاريخيّة قاعدة لدولتين، بمعنى أن تقسّم إلى دولتين: دولة فلسطين العربية ودولة اسرائيل اليهودية. وكان الملفت في تصريحات المسؤولين من كافة الاتجاهات والأماكن أنّ النقطة الجامعة بينهم في موضوع ايجاد حلّ في فلسطين لوقف مثل هذه الحرب التدميرية هو اعتماد حلّ وحيد ومناسب هو حلّ الدولتين.
لماذا هذا الاجماع؟ وهل هو كافٍ؟ وقبل ذلك هل هو ممكن؟
أولاً: حلّ الدولتين في ما هو له
1 – حلّ الدولتين للقضية الفلسطينية يعني بوضوح تقسيم فلسطين التاريخية، كما كانت عليه خريطتها عام 1949 إلى دولتين. واحدة تستوعب عرب فلسطين، وثانية تستوعب يهود فلسطين واليهود المهاجرين والمهجّرين إلى فلسطين من دول العالم.
2 – الدولة في التعريف العلمي هي «مجتمع منظّم يعيش على اقليم جغرافي معيّن ويخضع لسيطرة هيئة حاكمة ذات سيادة، ويتمتّع بشخصيّة معنويّة متميّزة عن المجتمعات الأخرى». باختصار هناك ثلاثة معايير لتعريف الدولة: أرض مرسّمة ومعترف بها، سكان دائمون، وحكومة خاصة لديها سلطة إقامة علاقات فعليّة مع كيانات أخرى مشابهة. باختصار الدولة هي سلطة سيّدة تُمارس على شعب وأرضٍ محدّدين.
3 – إنّ موضوع حلّ الدولتين يعيد كافة الفرقاء إلى مبادرة السلام العربية التي اقرّها مؤتمر القمّة العربية الرابع عشر الذي انعقد في بيروت في 27 و28 آذار 2002 والتي أطلقها الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية آنذاك، وهي المبادرة التاريخية التي ينبغي على الجميع عرباً واسرائيليين وبقية الأمم العودة إليها والنظر فيها وما تقدّمه من طروحات وحلول ومبادرات وما يقابلها لدى هذا الطرف أو ذاك من مستلزمات ونتائج. لذا من المهم لدى كل معنيّ بهذا الموضوع العودة إلى المشروع السعودي – العربي عام 2002 إن لم يكن بتفاصيله فأقله بعناوينه العامة.
4 – إنّ السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظلّ الشرعية الدولية ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده اسرائيل في هذا الصدد. وبالتالي على اسرائيل الانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967، استناداً إلى قرارات مجلس الأمن ومبدأ الأرض مقابل السلام. وعلى إسرائيل أيضاً القبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية.
5 – مقابل ذلك تقوم الدول العربية بانشاء علاقات طبيعية مع اسرائيل في اطار سلام شامل.
ثانياً: حلّ الدولتين في ما هو عليه
1 – ينطلق هذا الحل من قناعتين بل من اقتناعين: الأول عربي، وهو أنّ الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من طرفي الصراع. والثاني اسرائيلي، وهو تجاوز استراتيجية الحرب والاعلان أن السلام العادل هو الخيار الاستراتيجي لإسرائيل.
2 – للوصول إلى ذلك ينبغي على اسرائيل القيام بثلاث مبادرات: أولاها، الانسحاب الكامل من كافة الأراضي العربية حتى خط الرابع من حزيران 1967 «والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان». ثانيتها، التوصل إلى حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بالاستناد إلى قرار الأمم المتحدة رقم 194. ثالثتها، وأهمّها قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقيّة.
3 – في حال قبول اسرائيل بذلك يكون على الدول العربية ان تلتزم بأمرين أساسيين: الأول اعتبار النزاع العربي- الاسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين اسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة. والثاني انشاء علاقات طبيعية مع اسرائيل في اطار هذا السلام الشامل… إنّ كل القوى العالمية المحبة للسلام، مدعوة لقبول ودعم هذه المبادرة لأنها تمكّن الدول العربية واسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب وتوفّر للأجيال القادمة مستقبلاً آمناً يسوده الرخاء والاستقرار.
4 – إنّ الكلام سهل عن السلام بين العرب واسرائيل ولكن التطبيق صعب نظراً لفقدان الثقة لدى الجانبين ببعضهما البعض. وإن تجارب الحرب السابقة والحالية تزيد من هذا الشعور بعدم الثقة. يضاف إليها أمر اساسي وهو تأمين وتأكيد حق كل دول المنطقة في العيش بسلام داخل حدود مرسّمة ومعترف بها وآمنة. وهنا تطرح الاشكالية الكبرى: أين ترسّم هذه الحدود؟ ومن يرسّمها بين دولة اسرائيل ودولة فلسطين؟
5 – هناك عاملان في ترسيم الحدود: الحق وميزان القوى. وهو ما تستغله اسرائيل وتساندها الولايات المتحدة بضرورة أن يكون لاسرائيل حدود يمكن الدفاع عنها كما كان يردد هنري كيسنجر وبعده كافة الرؤساء من ريغان إلى بوش إلى كلينتون إلى اوباما. وهذا يعني ضرورة ضم مستوطنات إلى اسرائيل وتعديل خط الهدنة لعام 1949. بهذا انتقلت الولايات المتحدة من دور الوسيط النزيه في المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية إلى دور المساند العلني لمطالب اسرائيل على قاعدة الحدود الآمنة لاسرائيل.
6 – إنّ قيام الدولتين في فلسطين يمنحهما سمات جغرافية خاصة. فالدولة الاسرائيلية لها حدود بين الضفة والبحر تصل إلى ستة عشر كيلومتراً فقط ما يخلق أزمة أمنية ووضعاً وصفه هنري كيسنجر بأنه أقرب إلى لوحة من تصوير بيكاسو… أمّا الدولة الفلسطينية فإنها مقسومة إلى اقليمين جغرافيين منفصلين: الضفة الغربية وفيها القدس الشرقية من جانب، وقطاع غزة من جانب آخر. وهذا الترسيم القائم على الانتماء الديني يذكّر بدولة باكستان الغربية والشرقية ما يعني أنّ الايديولوجية الدينية قد تكون في حالات خاصة قاعدة لترسيم الحدود الدولية.
… يبقى السؤال الأساسي: هل ستجنح الدول العربية والاسلامية نحو السلام وتلغي شعار «محو اسرائيل عن خريطة العالم»؟ وهل ستلتزم اسرائيل بالشروط التي أطلقتها المبادرة العربية للسلام في بيروت عام 2002؟ إنّ الحرب التدميرية للبشر والحجر الحاصلة الآن تضع الجانبين على المفترق: إما نحو التفاهم والسلام، وإما نحو العداء والقطيعة الكاملة!