IMLebanon

ولكن… ماذا بعد…؟

 

إذا كانت الشعوبُ الأوروبية والغربيّة على اختلاف أنظمتها وميولها ومواقف قياداتها، قدْ جيَّشت المظاهرات في عواصم العالم الحضاري، دعماً للقضية الفلسطينية المحقّـة، واستنكاراً للمجازر التي تُرتكب في «غـزّة»، بما يفوق ما تكرَّمت بـه الشعوبُ العربية من شجْـبٍ واستنكار…

 

فلا غرابةَ إذْ ذاك من أن يكون لبنان، وهو رائد القضايا الإنسانية المحقّة سبّاقاً في تقديم المساعدة والمساندة والعون لفلسطين، فلسطين: القضيّـة والأرض والشعب.

 

وما كانت قضيّـة فلسطين، منذ أن كان «وعْـد بلفور» إلاَّ الصوت المدوّي على منابر الأدباء والشعراء والصحافة والسفراء في لبنان وبلاد الإغتراب، فيما كانت حكومات لبنان والمجالس النيابية ترفع القرارات وترسل الوفود إلى شتّى المحافل الدولية تنديداً بالمؤامرة، وتحذيراً من مغبّة الصهينة الفلسطينية ومضاعفاتها.

 

ولكن، ألَـمْ يبـقَ إلاّ لبنان منَ العرَب العارِبـة وبني قحطان، فيما سائر الأخوان، كأنّهم من العرب المستعربة أوْ منَ العجم…؟

 

وهل على لبنان وحـده أنْ يحمل على عاتقه قضيّة العرب الأولى بكلّ ما تضخّم فيها من أثقال، وكأنّ عليه وحده أن يُعيـد فلسطين إلى الفلسطينيين ليعود لبنان إلى لبنان…؟

 

سنتخطّى كـلَّ ما كان سنة 1975، وفيها وبعدها، بما كان يشبه طوفان الأقصى في لبنان، بما أصاب كيانه وسيادته ودولته ووحدتـه وأمنـه واستقراره، هذه كلّها تضحيات أخويّة كُرمى لعين فلسطين… ولكن… ماذا بعد…؟

 

لأنّ لبنان اليوم، ليس كما كان على عهد الأمير بشير الكبير، الذي طلب منه نابوليون بونابرت المساعدة حين أقبل سنة 1799 لفتح «مكّا»، فتراجع الأمير عن ذلك مخافـةَ أن يُصيبَ بلادَهُ شيءٌ من الفـخّ العسكري..(1)

 

بلْ ها هو اليوم يقدّم القرابين على طريق فلسطين من المقاومين والأبرياء والصحافيين والعسكريين والقـرى المستهدفة والخسائر الكبرى في قطاع الزراعة والتلوّث الكيمائي والقصف الفوسفوري وتلف الأراضي وتعريض عشرات الألوف للنزوح.

 

هذا بالرغم، منْ أنَّ حركة حماس هي أول مَنْ أقدمت على اختراق الجبهة اللبنانية في صبيحة اليوم التالي لطوفان الأقصى…؟

 

نعم.. إنَّ طوفان الأقصى أدّى إلى اهتزاز الصورة الإسرائيلية على الصعيد السياسي والأخلاقي، وأحدث انتصاراً معنوياً وحقوقياً للقضية الفلسطينية على الصعيد العالمي وأخرجها من تحت الأنفاق…

 

ولكن، من المغالاة أن يُعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: «أنّ لا أمـن ولا استقرار في المنطقة دون حصول شعبنا على حقوقه..» بحيث يجب التمييز بين استقرار الـدول الداعمة لطوفان الأقصى، واستقرار الدول المعادية، فلا تصـحّ المعادلة بيـن: عليَّ وعلى أصدقائي يا ربّ.

 

ويؤسفنا شديد الأسف أن يتعرض الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورفاقـه لجريمة الإغتيال على أرض لبنان، وفي رحاب معقل «حزب الله» ومحيطه الأمني في الضاحية، ولأنه الشخصية الأقرب إلى «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني، فهل يكون الإغتيال استهدافاً لحركة حماس و«حزب الله» ولبنان وإيران على السواء، وهل هذا يعني أن «حزب الله» هو المخوّل الوحيد للـردّ على العدو الإسرائيلي باسم «حزب الله» ولبنان وحركة حماس والحرس الثوري الإيراني…؟

 

بأيّ حكمة وحنكة مدروسة سيتولى «حزب الله» الـردّ على القصف بالقصف، وعلى العمق بالعمق، وعلى الإغتيال بالإغتيال، حتى لا تتوسع جبهـة القتال بالتوغّل إلى ما هو أخطر فتصبح مدينة بيروت شبيهةً بمدينة «غـزّة»، ويصبح استهاف الفصائل في لبنان شبيهاً بما يحصل في سوريا..؟

 

هناك قيادات فلسطينية في قطـر وتركيا وغيرهما، إلاّ أن أرض لبنان ستظلّ هي الأفضل والأسهل لأنها ساحةٌ سائبة للمجموعات والفصائل والتيارات والحركات والتنظيمات، وهل سيظل لبنان ضحيةَ الأعداء وضحيةَ الأشقاء، وعليه الإختيار بين القتل الحميم والقتل الأثيم على ما يقول الشاعر:

 

فإنْ كنتُ مقتولاً فكُنْ أنتَ قاتلي           فبعضُ منايا القومِ أكرمُ منْ بعضِ.