الحروب كثيرة وحدها القضيّة الفلسطينيّة “بتبيع”
هو حفلٌ لإعلان نتائج الرابحين بجوائز عن أفلام جامعيّة قصيرة. أعلنت اللجنة اسم الفائز، صفّق الجمهور، واعتلى الطالب الجامعي المسرح، ألقى التحيّة، تسلّم جائزته اقترب من المنبر وقال: “Free Palestine” (فلسطين حرّة أو حرّروا فلسطين!)
لم يكن فيلم هذا الطالب يحاكي قصّة الفلسطينيين المظلومين والمعذّبين، ولم يكن “احتلال الأراضي الفلسطينية” موضوع أو محور الحفل، لكنّ توقيت إقامته تزامن مع الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزّة عقب ما عُرِف بعمليّة “طوفان الأقصى” التي قامت بها حركة حماس في مواجهة إسرائيل.
انتهى الحفل وخرج الجميع من الصالة، فاقتربت من الفائز الذي كان يتقبّل التهاني، وبعدما هنّأته، سألته عن كلمته التي استهلها بتلك العبارة فسألني: “مش شايفي الإجرام الإسرائيلي بحقّ فلسطين، أهلها وأراضيها؟”.
بالتأكيد كنت أرى ذلك، وكنّا عندها نعدّ التقارير اليوميّة حول المجازر التي كانت تُسقط آلاف الضحايا الفلسطينيين المدنيين الأبرياء على حساب الصراع بين حماس وإسرائيل، لكن ما جعلني أسأله عن سبب اندفاعه لفلسطين ليس عدم أحقيّتها بالحريّة على العكس… لكن لأنّني كنت أتساءل لماذا لم يبدأ كلمته مثلًا بـ “Free Nagorno-Karabakh”؟
فقبل أيام قليلة من تاريخ وقوفه على ذاك المسرح، كانت أذربيجيان سيطرت على إقليم “ناغورني-قره-باغ” عقب عملية خاطفة هجّرت من خلالها ما يقارب 120 ألف أرمني. إنّه الصراع على هذا الإقليم بين أرمينيا وأذربيجيان الذي يعود إلى العام 1999 والذي أدّى إلى مقتل أكثر من 35 ألف شخص. لماذا لا تعتبر “أحقيّة الأرمن بهذه الأرض” مادّة دسمة للكلمات الافتتاحيّة؟ هل لأنّ قضيّة الأرمن “ما بتبيع” كالقضيّة الفلسطينيّة؟
كل تلك المقاربة ليست فقط بسبب هذا الطالب المتميّز الفائز بل بسبب أقوال الكثير من الطلّاب المتحمّسين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومعهم الإعلاميون، السياسيون، الفنّانون و”المؤثرّون”…
تعاطفوا مع فلسطين وهذا دليل على نبل أخلاقهم، ولكن لم ينتبهوا لحرب السودان التي اندلعت في نيسان 2023 والمستمرّة حتى اليوم متسبّبةً بأكبر أزمة نزوح شهدها العالم. هي الحرب التي بسببها، بحسب الأمم المتحدة، نحو 25 مليون شخص أي نصف عدد سكان السودان يحتاجون إلى المساعدات، والتقارير تشير إلى مقتل أكثر من 61 ألف شخص في ولاية الخرطوم خلال الأشهر الـ 14 الأولى من الحرب مع وجود أدلّة تشير الى أنّ العدد الكلّي أعلى بكثير مما سجّل. لماذا لا يتذكّر أحد السّودانيين؟
وأكثر من ذلك؟ لماذا ينسى أو يتناسى البعض أنّ اليوم من أقحم لبنان بحرب غير مدروسة ودمّر حجره وهجّر بشره، ينظّر على الآخرين بالإنسانية ووجوب التضامن مع الفلسطينيين ضدّ الإجرام الإسرائيلي، وهو كان شريك الرئيس السوري بشار الأسد في إجرامه في وجه كل سوري أراد التحرّر من شموليّة حكمه.
“فهل من إجرام بسمنة وإجرام بزيت؟” استخدام الرئيس السوري بشار الأسد للأسلحة الكيميائيّة والبراميل المتفجّرة والغاز السامّ لقتل عشرات الآلاف المدنيين ليس إجراماً؟ الاحتجاز التعسّفي والاختفاء القسري لما لا يقلّ عن 133 ألف سوري وسوريّة من بينهم حوالى 3100 طفل و6700 سيّدة، ليس إجرامًا ارتكبه النظام السّوري؟
نظام قال رئيسه قبل أيّام قليلة، في كلمته في القمة العربية الإسلامية في الرياض، بكلّ وقاحة “أداتنا هي اللغة وأداتهم هي القتل” في سياق حديثه عن الإجرام الإسرائيلي.
الحروب المنسيّة أكثر بكثير مما ذكرته…
لكن “فلسطين بتبيع… إن عشكل غنيّة أو لتسهيل مفاوضات إيرانيّة!”