«فلسطين كانت كلّها من النهر إلى البحر».. قالت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير في أيّامها، عندما سئلت عما كانت فلسطين عليه عندما وضعت تحت الانتداب البريطاني».
مرّت صفقة القرن وردّة الفعل العربية لم تكن إلّا على قدر التوقعات. فإزاء صمت عربي ورضى خليجي، الفلسطينيون لن يحصلوا على «فلسطين كلّها من النهر إلى البحر».
لبنان، تصيبه شظايا صفقة القرن.
هل يكفي أن يَرِد «رفض التوطين» في مقدمة الدستور؟ فيما الواقع على الأرض، مخيّب على مستوى احترام الدستور، ومغاير على مستوى الوجود الفلسطيني على الأرض اللبنانية.
عدد اللاجئين الفلسطينيين رسمياً المسجل في مؤسسة «الأنروا» ولدى وزارة الداخلية يقدّر بنحو 500 ألف لاجئ، إلاّ أنّ الفلسطينيين المقيمين في لبنان داخل المخيمات بحسب أرقام لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني يقدّر بـ174 ألف لاجئ، وهو إحصاء رسمي قامت به مديرية احصاء المركزي اللبناني وبالتالي، هناك لاجئون فلسطينيون يسكنون خارج المخيمات وهناك من غادر الى العمل في دول الخليج وغيرها.
رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة يشير لـ«الجمهورية» الى انّ «التوطين يعني التجنيس، فلا تفسير آخر له، وبالتالي عندما يمتلك أي إنسان أكان فلسطينياً او غير فلسطيني الجنسية اللبنانية عندها سيتمتع بكافة الحقوق المدنية التي يتمتع بها المواطن اللبناني. فبعد مرور عشر سنوات مثلاً قد يصبح للفلسطيني الحق في أن ينتخب ويشارك في الانتخابات». وأكد انّ «التوطين يؤثر سلباً على التوازن الديموغرافي وهو أمر مرفوض لدى كل القوى اللبنانية. ولا طرف لديه مصلحة بأيّ اختلال في التوازنات في لبنان. لذلك على الدولة مواجهة أي شروط توضع عليها لفرض التوطين. ولا يمكن ان يحصل التوطين اذا كان هناك رفض لدى السلطة اللبنانية، فهو قرار سيادي والدولة لا تزال تؤكد انها ضد التوطين». وأضاف: «سنتعرض لضغوط الولايات المتحدة الأميركية وقد تصل الى ضغوط اقتصادية ولكن اذا كان هناك قرار داخلي صلب لا أحد يستطيع ان يفرض التوطين».
ورأى منيمنة «أنّ مواجهة الضغوط تكون عبر خطة ترسمها الدولة اللبنانية تقوم على التواصل مع كل الدول الصديقة العربية والغربية، وخصوصاً الأوروبية، والشرح لهم عن مخاطر هذا الأمر على لبنان والوقوف الى جانبه ومساعدته».
من جهته، الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصائغ، شرح لـ«الجمهورية» ما عبّرت عنه الوثيقة «رؤية لبنانية مشتركة تجاه قضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان» والتي عبّرت عن توافق الاحزاب السياسية في لبنان، أي الكتل الكبرى التي كانت موجودة على طاولة الحوار الوطني، على تعريف واحد على ان «التوطين يعادل التجنيس».
لذلك وبحسب الصائغ، «التوطين لن يتمّ الّا بقرار رسمي من الدولة اللبنانية، وهو امر غير وارد، لعدم ضرب الخلل الديموغرافي، ودفاعاً عن عدالة القضية الفلسطينية، وما حصل في السابق من تجنيس كان فردياً وليس جماعياً».
ويعتبر ان «الحل يكون بالهوية المركبة، اي التأكيد على الهوية الوطنية من خلال منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان رقماً وطنياً وجواز سفر فلسطينياً، والتشديد على الهوية القانونية من خلال الابقاء على صفة اللجوء من خلال منحهم بطاقة لجوء».
وفيما باتت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية محسومة للاجئين الفلسطينيين، يؤكد مصدر قانوني لـ«الجمهورية» أن «التوطين الرسمي على السيادة اللبنانية، يطرح تداعيات كبيرة، وهو يعني منح الحقوق المدنية للفلسطينيين، وتضمن الحقوق المدنية حقوق المواطنة والحماية بالتساوي للجميع بموجب القانون. أي بالحد الأدنى الحق في التعليم، الحق في استخدام المرافق العامة، الحق في الحصول على الخدمات الحكومية، الحق في التصويت. يعني أكثر، المنافسة في العمل، في التوظيف العام والخاص، في تبوّؤ المراكز الرسمية العليا في الدولة، مدنية كانت ام عسكرية، المشاركة والترشح للانتخابات، ناهيك عن ضرب التوازن الديموغرافي المشوّه أصلاً. عوامل كلها تهدّد النسيج المجتمعي اللبناني، الى التوازن الاقتصادي والمالي».
ويقول اللواء منير المقدح لـ«الجمهورية»: «هناك صعوبة مقبلة على الشعب الفلسطيني ولبنان، لأنّ ما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس مهرجاناً، بل صفقة سيتمّ بعدها اجراء الضغوط على دول الجوار ودول الشرق الأوسط للقبول بها وتوطين الفلسطينيين». وأضاف: «حبنا لفلسطين والأقصى عقيدة، ولا يمكن التفريط بها، فنحن صمدنا واستشهدنا ليس من أجل ان نتوطن في لبنان، صبرنا ونستطيع ان نصبر أكثر ونكافح بكل الوسائل. كانت هناك انتفاضة أولى وثانية، وسيكون هناك انتفاضة ثالثة اذا اقتضى الأمر من أجل رفض صفقة القرن والتوطين في لبنان، على رغم تخلي الدول العربية عنا، وسنبقى نواجه ولو بقينا وحدنا»، مشيراً الى ان «المواجهة بدأت على النقاط الساخنة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي ككرة الثلج».
وينوّه المقدح بـ«الموقف المشرّف للقيادة الفلسطينية المتمثلة بالرئيس أبو مازن، فما قاله لا يجرؤ اي رئيس عربي على قوله». واكد ان «هناك تنسيقاً وتعاوناً مستمراً مع الدولة اللبنانية لرفض التوطين، والموقف اللبناني مشرّف قيادة وشعباً». وأشار الى «الطلبات المتكررة من الفلسطينيين للحكومات اللبنانية المتعاقبة لمنح اللاجئين الفلسطينيين مقومات الصمود وبعض الحقوق المدنية ليس من اجل البقاء في لبنان إنما هناك إصرار لدى كل لاجئ فلسطيني على العودة الى أرضه، إنما يريد العيش بكرامة في البلد الذي يعيش فيه».
يتفق المحللون السياسيون على «أننا امام مشهد شرق أوسطي جديد، ما يعني أننا أمام رسم مشهد جديد في المنطقة، وهو ما يتطلّب مبادرة لبنانية رسمية ترسم استراتيجية أزمة لمواجهة كلّ ملفات المرحلة المقبلة».