لم يكن ينقص الفلسطينيين في لبنان سوى وباء «كورونا» لتكتمل مصائبهم ولتضاف المشاكل الصحية المستقبلية التي سيجلبها الوباء، إلى أزماتهم الإجتماعية والإقتصادية والمعيشية الكبرى في شتاتهم اللبناني، خاصة في مخيمات اللجوء البائسة.
قد لا تكون المصيبة الجديدة والصعوبات المنتظرة منها خاصة بالفلسطينيين وبمخيماتهم، فهي تشمل اللبنانيين أيضاً بفئاتهم المختلفة، لكن واقع حال المخيمات التي تفتقد الى أدنى المعايير الصحية أو توافر الشروط الصحية نتيجة الكثافة السكانية المرتفعة والإهمال المتواصل من قبل المرجعيات الخدماتية المعنية وقلّة الوعي بالمرض، يهدد بكارثة جديدة مع «كورونا».
وحدة فصائلية.. وخطة طوارئ
بعد فترة استهتار بالوباء من قبل أبناء المخيمات جلبت لهم انتقادات كبيرة وصلت كما هي العادة في المجتمع اللبناني وسياسييه، الى حد العنصرية، إضطر أبناء المخيمات الى منح الوباء الاهتمام الذي يستحقه. في الأيام الأخيرة، خفّت الحركة في أحياء وأزقة المخيمات في شكل ملحوظ، وفي ظل إدارة فصائلية متشددة، وُضعت خطة عمل طارئة لقضية ستؤرق الجميع طويلاً.
ولعل الإنجاز الأول هنا يتمثل في وحدة الموقف من قبل الفصائل الفلسطينية لمواجهة الموضوع، وتكتل الجميع، من أبناء «منظمة التحرير الفلسطينية» و«تحالف القوى الفلسطينية» والفصائل الإسلامية في إطار «هيئة العمل الفلسطيني المشترك».
طبعا، قد يكون الحمل ضخماً على الفلسطينيين، وهو كان في الأصل ثقيلا جداً على الدول الكبرى في العالم، وهم يبدون وكأنهم يواجهون الوباء باللحم الحي، واستعانوا لذلك بوكالة غوث اللاجئين «الأونروا» التي لا يمكن التعويل عليها نظرا الى الحصار الذي تتعرض هي نفسها له من قبل مموليها الدوليين، لكن سيكون عليها العاتق الأكبر في مواجهة الوباء.
وقد شرع الفلسطينيون في «حملات توعية شعبية وفصائلية بمشاركة اللجان الشعبية والمؤسسات الأهلية والهلال الأحمر والدفاع المدني والمؤسسات المختلفة»، كما يشرح مسؤول إعلام حركة «فتح» في بيروت حسن بكير لـ«اللواء».
بدأت حملات توعية مكثفة وجولات تنظيف لشوارع وأزقة المخيمات، ثم تعقيم الطرقات والأماكن العامة والمرافق الحيوية مع تنظيم الحركة التجارية في ظل إقفال الكثير من المحال التجارية مع الشروع في حملات توعية للعائلات بما يتناسب مع سبل الوقاية والحماية الفردية.
ويلفت بكير الى أن عمليات التعقيم بدأت منذ أسبوع وشملت من هم داخل المخيمات والداخلين إليها كما الخارجين منها، مع توزيع لأدوات النظافة من معقمات وكمامات وكفوف وكلور بمساعدة جمعية مساواة، شملت حتى مناطق خارج المخيمات للشتات الفلسطيني في لبنان.
ولكن هل في إمكان المخيمات الصمود طويلاً على هذا المنوال؟
يشير مسؤول «فتح» الى حالة طوارئ معلنة بإشراف السفارة الفلسطينية وقيادة الحركة وباتصال مع الفصائل، وثمة خطة لتوفير أماكن عزل للفلسطينيين الذين قد يصابون لن تكون داخل المخيمات بل ستتركز في منطقة سبلين في إقليم الخروب.
أدت تلك الحملات الى ارتياح في شكل عام داخل المخيمات، وثمة اجتماعات مكثفة بين الهيئات والأطر السياسية والأهلية والجمعيات والمنظمات الإنسانية واللجان الشعبية وناشطين، لوضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة التي ستكون صعبة، لمواجهة هذا الخطر الداهم في موازاة الخطة التي وضعتها الحكومة اللبنانية وذلك لمواكبة إجراءاتها.
والواقع أن الفلسطينيين يعون كون الأمر يتعلق بهم أولاً، وإذا كان عاتق مواجهة الوباء يقع على الجميع، إلا أن الفلسطينيين سيواجهون ما يعنيهم لوحدهم كما كانت العادة في مراحل عديدة في الماضي.
مسؤولية «الأونروا»
وفي انخراطهم في مكافحة الوباء يبدو التضامن الشعبي جلياً بين الفلسطينيين، لكن ذلك لا يلغي مسؤولية كبرى على «الأونروا» التي تعتبر الجهة المسؤولة في الأصل عن مواكبة محنة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كما يطلب هؤلاء من المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية تقديم يد المساعدة.
وسيكون على وكالة غوث اللاجئين التنسيق مع لجنة طوارئ مركزية دائمة من قبل الفصائل تضم السفير الفلسطيني أشرف دبور، أمين سر «تحالف القوى الفلسطينية» الدكتور أحمد عبد الهادي، وأمين سر «فتح» وفصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» فتحي أبو العردات، ومندوب عن وزارة الصحة اللبنانية.
لكن البعض يتخوّف من التعاطي الدولي مع المخيمات في لبنان في الوقت الذي قد تتجه أنظار العالم وموارده الى أماكن أخرى. ويطالب بتوجيه نداء عاجل الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، للتدخل العاجل في المخيمات التي يبدو البعض غير محيط بمكمن الخطر المقبل عليها.
وثمة مطالبات بتأمين الأموال اللازمة التي تتطلبها خطة صحية لظروف قاهرة مقبلة، أو دعم الأسر الفقيرة الأكثر حاجة الى المساعدة، خاصة في ظل التزام مئات آلاف اللاجئين مخيماتهم ومنازلهم، وهو حال يشمل المخيمات في دول الشتات كافة في الدول العربية المضيفة.
إنها دعوة الى استراتيجية شاملة تحاكي الواقع الاستثنائي الذي يطرح نفسه بقوة أمام الجميع، على «الأونروا» معها إعلان الإستنفار العام داخليا في لبنان، كما مع الأطراف الدولية المعنية في ظل مخاوف من مخاطر كبيرة على الواقع الصحي الراهن في المخيمات.
يأتي ذلك علماً أن وكالة الغوث قد بعثت فعلاً بنداء الى الدول المانحة لتأمين مبلغ 14 مليون دولار لمواجهة الوباء، لعلمها أن «الظروف المعيشية المكتظة والقلق الجسدي والنفسي وسنوات النزاع الذي طال أمده جميعها تجعل «مجتمع لاجئي فلسطين» المعرضين للمخاطر عرضة للإصابة بفيروس كوفيد-19»، كما جاء في بيان لها.
لبنان .. وما بعد الوباء
على أن التنسيق القائم حالياً مع السلطات اللبنانية سيوفر خطة عمليّة مرحلية على الأرض للمواجهة، لكن سيكون على لبنان، وبعد انتهاء مرحلة الوباء، التصدي لمسؤولياته على صعيد قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ويجب على الدولة التخلي عن المقاربة الأمنية، على أهميتها، في موضوع الفلسطينيين، فللاجىء حقوقه وواجباته تجاه لبنان ومن غير المنطقي والمفيد أن يُقارب فقط من موقع المُتهم.
وبالنسبة الى المطالبات الفلسطينية فهي نفسها اليوم كما في السابق. هي حقوق تاريخية لم تُقارب حزمتها مثل العمل والتملك ويمكن عنونتها بـ«الحقوق المدنية» المفقودة للفلسطيني في لبنان، سيكون من دونها قاصراً على تلبية حاجات لبنان منه على الصعد المختلفة.