تزدحم الملفات السياسية والأمنية والإقتصادية على الساحة اللبنانية على رغم احتلال الملف الطبي الأولوية في هذه المرحلة، لكن كل هذا الإنتشار الكوروني لم يحجب الإهتمام عن أزمات تضرب بنيان الدولة. لا يوجد مؤشّر جدّي يوحي بقرب ولادة الحكومة، فكل صرخات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومساعيه لم توصل إلى أي مكان، ولم تدفع المسؤولين إلى تقديم التنازلات المتبادلة.
وتبدو باريس، صاحبة المبادرة الإنقاذية الأولى، في حيرة من أمرها، إذ إنها تتكل على جهود البطريرك الراعي، وفي المقابل فإنها فقدت كل أمل بإمكان تحقيق خرق حكومي يضع البلاد على سكّة الإنقاذ.
وتنتظر الساحة اللبنانية إنتهاء “الكباش” الأميركي وكيف ستكون سياسة الرئيس الجديد جو بايدن تجاه لبنان والمنطقة، وهل ستحمل الإدارة الأميركية الجديدة إنفراجاً أو أن الإنفجار الكبير سيقع في عهدها؟
ويربط من يتابع الملف الحكومي التطورات الأميركية بولادة الحكومة اللبنانية، مع العلم أنه بات من المؤكّد أن إدارة بايدن ستستغرق شهوراً عدّة قبل أن تصل إلى الملف اللبناني، والذي تربطه بملفات المنطقة. وليست الحكومة اللبنانية وحدها من تنتظر سياسة بايدن الجديدة، إذ إن الوضع الفلسطيني عموماً وملف اللاجئين في لبنان سيتأثران بما ستحمله الإدارة الأميركية في جعبتها.
ويُقسم الإهتمام اللبناني بالملف الفلسطيني إلى شق سياسي وجودي وشق آخر إجتماعي إقتصادي. وبالنسبة إلى الشق السياسي، فإن لبنان على موعد مع ما تقرره الإدارة الجديدة في شأن التعامل مع فلسطينيي الشتات، ومن ضمنهم الموجودون في مخيمات لبنان.
ونصّ دستور لبنان الجديد الذي وُقّع في “الطائف” على رفض التوطين بكل أشكاله، وهذا الأمر يتعارض مع “صفقة القرن” التي دأبت إدارة الرئيس دونالد ترامب على تطبيقها، فالتوطين في لبنان يعني إنهاء الصيغة اللبنانية الفريدة وتغيير ديموغرافية البلد، وهذا المعطى غير موجود في الأردن أو سوريا أو مصر.
وانطلاقاً من هذا الخطر، فإن لبنان الرسمي “المنقسم والمشتّت” سيكون أمام تحديات جديدة، خصوصاً أن مركب التطبيع العربي مع إسرائيل يسير بشكل كبير وسط الحديث عن محادثات سريّة تجرى بين تل أبيب والنظام السوري لم تُكشف خيوطها بعد، ما يعني أن خطر التوطين الفلسطيني بات أقرب، والقوى السياسية اللبنانية مطالَبة بخطّة تحرّك لمواجهة الخطر الداهم.
وأمام الأزمة الإقتصادية اللبنانية، فإن قرار ترامب في العام 2018 بوقف مساهمة بلاده في تمويل “الأونروا” أحدث خللاً في ميزانيتها، ما انعكس على الوضع الفلسطيني في المخيمات إقتصادياً وإجتماعياً.
والجدير ذكره أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تقدّم نحو 350 مليون دولار سنوياً للمنظمة، ويمثّل هذا المبلغ أكثر من ربع الميزانية السنوية للمنظمة البالغة 1.2 مليار دولار، ما أحدث عجزاً كبيراً في ميزانيتها. ويؤكّد العاملون على خطّ الملف الفلسطيني في لبنان لـ”نداء الوطن” أن “الخطوة الأميركية أحدثت ثغرة كبيرة في هذا المجال، ولم تستطع أي دولة عربية أو غربية سدّ تلك الثغرة، ما تسبّب بكارثة إجتماعية في المخيمات”.
ولم تستطع الجهود العربية مساندة الفلسطينيين، إذ إنّ الإمارات العربية المتحدة زادت مساهمتها في “الأونروا” بنحو 8 ملايين دولار إضافةً إلى دول أخرى، لكن هذا الأمر غير كافٍ إطلاقاً.
وتراهن الجهات الرسمية اللبنانية التي تتابع الموضوع الفلسطيني على سياسة بايدن الجديدة، إذ إن التواصل مع الديموقراطيين كشف عن نية في إعادة مساهمة واشنطن في عدد من المنظمات الدولية ومن ضمنها “الأونروا”، ما يُعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي.