Site icon IMLebanon

تحرير الجرود والدولة الموازية

تجاوز الجيش اللبناني غمامة الصيف التي رافقت مقتل سوريين أوقفوا بعد مداهمة نفذّتها وحداته وأدت إلى إفشال مجموعة إرهابيين من بلوغ أهدافهم في الداخل. فشلت الحملة الإعلامية وأعاد رئيس الحكومة ضبط إيقاع العلاقة بين السلطة السياسية والمؤسسة الأمنية الأم بما يمليه الدستور، وكانت مناسبة لإعادة تشديد القوى السياسية على دعم الجيش. أُلحقت العملية المذكورة بسلسلة من المداهمات الناجحة في مخيمات النازحين في عرسال وخارجها، ليُطلق بعدها الأمين العام لحزب الله معركة تحرير الجرود على وقع ضربات جويّة نفذّها ولا يزال سلاح الجو السوري ، وليتابع بعدها عدد من السياسيين، كلٍّ على طريقته، إجراءات إعلان الحرب ومنها تحديد مهمة وقطاع مسؤولية حزب الله في الداخل السوري على أن يتولى الجيش تنظيف الجرود.

ليس من قُبيل المزايدة القول أنّ اللبنانيين، جميعهم ودون استثناء، يريدون ومن قبل إندلاع الحرب في سوريا، إستعادة السيطرة على الحدود الشرقية وضمّها إلى كنف الشرعية، ليس مقابل بلدة عرسال فحسب بل على امتداد السلسلة الشرقية من مزارع شبعا وحتى جرود الهرمل وصولاً إلى أطراف عكار. كلنا يذكر المحاولات المتكررة للحكومة اللبنانية لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وتأمينها في العام 2005، والكلّ يذكر عدم تجاوب الحكومة السورية وحلفائها وتجاهلها للموضوع. وقد يكون ملف ترسيم مزارع شبعا الذي يعود إلى ستينات القرن الماضي خير دليل على عدم وجود أي اعتبار للسيادة اللبنانية لدى النظام القائم في سوريا.

تساؤلات عديدة يستحضرها إلى الذهن تزامن هذه الإندفاعة لتحرير الجرود مع النجاح الروسي الأميركي في تثبيت وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا وإقصاء الفصائل الإيرانية عن تلك المنطقة، حول تداعيات هذا القرار على الإستقرار السياسي في لبنان وعلى الدور الجديد الذي يريد حزب الله الإضطلاع به. إنّ تثبيت وقف إطلاق النار في المنطقة المذكورة واستمرار إقفال الطريق السريع بين بغداد ودمشق عبر معبر التنف، يزيد أعباء التواصل بين طهران وبيروت عبر الجغرافيا السورية، وتحرير الجرود العرسالية يعني إسقاط الحدود بين لبنان وسوريا لتتواصل منطقتيّ السيطرة الإيرانية على جانبيّ الحدود ولتشكّلان إمتداداً لمنطقة خفض التوتر المُزمع إنشاؤها في وسط سوريا بإشراف روسي إيراني، كما ورد في مؤتمر آستانا، وربما تنجح القوات الإيرانية بعد ذلك بوصّل هذه المنطقة عبر البادية السورية بالداخل العراقي تزامناً مع ما يُشاع عن طريق يجري تعبيده من الداخل العراقي نحو الباديّة.

أسئلة عديدة تُطرح على الحكومة اللبنانية في ظلّ هذا الإستنفار المُعلن من خارج دائرة القرار السياسي اللبناني، وبما لا يراعي الحدّ الأدنى من أصول الحوكمة الرشيدة، هل يُعقل أن تُخاض حرب على الأرض اللبنانية بمواجهة مجموعات إرهابية وتشارك بها القوات المسلّحة الشرعية دون أن يكون للحكومة، أي موقف مما يجري؟ ثم من يحدّد السقف الزمني لهذه العملية، وما هي الخسائر المسموح بها على المستوى الميداني لهذه العملية؟ وهل ستلتحق هذه الجرود في حال تحريرها بالمنظومة الأمنية السائدة على امتداد الحدود حيث تتآكل السلطة لصالح سلطة موازية وينمو اقتصاد موازٍ على حساب الإقتصاد الوطني؟ وما هي تداعيات قطع محور طهران بيروت على حزب الله وعلى الداخل اللبناني مع الإصرار الأميركي على استكمال مخطط إقفال الحدود السورية العراقية لوقف التمدد الإيراني.

إنّ التّحدي الحقيقي الذي تواجهه الحكومة اللبنانية يكمن في المبادرة إلى تحويل هذه التهديدات المُرتقبة وتلك الهواجس الأمنية إلى رؤية وطنية متكاملة للحفاظ على المجتمع، وتأمين استمرار الدولة. لا مفرّ للحكومة من الإجابة على هذه التهديدات وإنّ العواقب الفعلية لأيّ تهرب أو محاولة لكسب الوقت سيقوّض الدولة على حساب دولة موازية.