Site icon IMLebanon

مؤتمر باريس يتوَّج تاريخاً في توصيف السياسيين اللبنانيين

 

مئتا عام في حياة الشعوب والأوطان يفترض أن تكون كافية لاستخلاص النتائج. بمعنى تطوير الأنظمة وانتخاب حكّامٍ عقلاء يوفّرون لشعوبهم سبل التطور والرخاء. لكن في هذه المنطقة بين لبنان وسوريا يبدو الإستعصاء حتميةً تاريخية لا مخرج منها.

 

كتب السفير الأسباني في الآستانة (8 أيلول 1844)، وأسبانيا كانت في حينه مراقباً أكثر منها دولة فاعلة في “المسألة الشرقية”، أنّه “يمكن القول بعدم وجود حاكم أو بالإسم فقط لمصلحة بعض الأشخاص من الدائرين في فلكه، ماهرين في الإستفادة من سوء تصرّفه، حيث يسيطر جهلٌ لا مبرّر له…”.

 

كان السفير الأسباني يتحدّث عن الحالة في سوريا ولبنان، في وقتٍ مبكر، قبل تفشّي النزاعات والمجازر التي ستقود الى قيام نظام المتصرّفية في جبل لبنان برعاية الدول الكبرى في حينه.

 

وخلال سيادة ذلك النظام، أكمل الساسة المحليون سلوكاً سابقاً سيتحدّث عنه بإسهاب أوهانس باشا آخر المتصرّفين، ولحظة الإنتقال من السيطرة العثمانية الى الإنتداب الفرنسي، غيّرَ سياسيو المرحلة الماضية ثيابهم وقفزوا الى القطار الجديد، ونالوا ما نالوه من أوصاف في مذكّرات المندوبين السامين.

 

في عهد الإستقلال، كتب السفير البريطاني خلال الخمسينات أنّ سياسيي السلطة اللبنانية يتّصفون بـ”الخِسّة”…”خسيسون وصوليون” يقول ذلك السفير، وستتردّد أوصافه في تقارير سفراء آخرين وصولاً الى فضائح ويكيليكس المتفجرة.

 

منذ يومين، قام مؤتمر باريس بإعادة تبنّي الأوصاف المتتالية، التي ألصقها العالم بحكّام لبنان. وذهب أبعد من ذلك بأشواط. لم يعترف المؤتمر بوجود حكّام في لبنان. فتجاهل في بيانه الختامي مشاركة رئيس الجمهورية، وتوجّه الى الشعب اللبناني مباشرة، مكرّراً إلحاحه على ضرورة إيجاد حكومة تحكم في هذا البلد… وفي الإنتظار، سيضع يده بيد الهيئات والجمعيات المدنية غير الرسمية!

 

سيكثّف العالم حواره مع المجتمع المدني، ويستمدّ من هذا الحوار الثقة بمستقبل لبنان، يخلص مؤتمر باريس الى القول، لكنّ المُمسكين بخناق اللبنانيين لم يَرِفّ لهم جفن. انّهم بالتأكيد من بقايا الذين وصفهم القناصل في تقاريرهم… ولهذا السبب تتعذّر الاستجابة لأبسط مطالب اللبنانيين في حكومة تتولّى تنفيذ ما هو مُتّفق عليه من برنامج إصلاحي إنقاذي، ويتخبّط المعنيون في مُعضلة إقتسام الجبنة، وفي محاولات حفظ المواقع المناطقية والطائفية والمذهبية والميليشيوية، وينتظرون ما ستؤول اليه محاور المنطقة، ومصادر التمويل الحزبي والشخصي. وكلّ ذلك سيطيل المعاناة ويعمّق الأزمات ويضخّم الأثمان.

 

انها لعنة حلّت، ولن تجد لها حلّاً مع الطاقم السياسي المتربّع في مفاصل البلد. وإلاّ… لماذا الإنتظار، فالحكومة يُمكن أن تولد اليوم، وبيان مؤتمر باريس سيعفيها من مشقّة تكليف لجنة تصيغ لها بياناً وزارياً لا ضرورة له.