لا نقاش حول أهمية اللقاء الخماسي الذي عقد في العاصمة الفرنسية مطلع الشهر الحالي وتحديداً في السادس من شباط، كونه محطّة بارزة في مقاربة الدول المعنية بالملف اللبناني، للاستحقاق الرئاسي، في محاولة لدحض التكهنات حول لامبالاة هذه العواصم، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، ازاء الوضع اللبناني برمّته. ومع ذلك لم يثبت اللقاء أنّ ثمة إرادة دولية، وتحديداً أميركية، جدية في حسم نتائج الانتخابات الرئاسية على نحو قريب، خصوصاً وأنّ التفاهم الدولي ركن أساسيّ لا يقلّ أهمية عن ركن التفاهم الداخلي، في «سيبة» انتاج الرئيس الجديد لا يمكن تجاوزه مهما رفعت القوى اللبنانية من شأن «حرصها السياديّ».
نظرياً يفترض أن تكون الجولة التي يقودها سفراء المجموعة الخماسية على المسؤولين اللبنانيين، بمعزل عن طبيعة النقاشات التي خاضها ممثلوها في باريس، مؤشراً واضحاً للعيان عن انطلاق قطار الضغط الدولي في سبيل اتمام الاستحقاق الرئاسي بعدما سدّت المنافذ الداخلية وأسفرت كلّ محاولات مجلس النواب، الانتخابية، الفولكلورية، لانتخاب رئيس جديد عن «صفر نتيجة».
لكن ثمة جهات لبنانية تجزم بأنّ اللقاء الباريسي انتهى إلى «لا نتيجة» بسبب التباينات التي تحكّمت بمواقف المشاركين وعدم تمكّنهم من وضع خارطة طريق موحدة أو رؤية واحدة لكيفية التعامل مع الملف اللبناني. في المقابل يجزم مصدر متابع لجولة النقاشات، بأنّ نتائج الدفع الدولي باتجاه حسم الرئاسة اللبنانية، ستظهر خلال الأسابيع المقبلة، مؤكداً أنّ الانتخابات ستثمر عن رئيس جديد قبل انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أي مطلع الصيف المقبل، لا سيما وأنّ كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ ورقة رياض سلامة احترقت بالكامل، وانتقل البحث إلى هوية خلفه. فيما تفضّل الدول الغربية، وتحديداً واشنطن وباريس انجاز الرئاسة قبل بلوغ استحقاق الشغور في حاكمية المصرف المركزي.
وفي تقدير المصدر المتابع أنّ المنطقة برمّتها تشهد مناخات تقاربية من شأنها أن تحدث تقاطعاً اقليمياً في ما خصّ الملف اللبناني، في ضوء البوادر الايجابية التي يشهدها الملفان اليمني والعراقي بشكل يدلّ على تقارب سعودي – ايراني قد يتوسع ليشمل الملف اللبناني خصوصاً اذا لم تعترضه أي عقبات جوهرية.
وفي تفاصيل النقاشات التي شهدتها العاصمة الفرنسية بين كلّ من مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، ومساعد وزير الخارجية القطري محمد الخليفي، والمستشار في الرئاسة الفرنسية للشرق الأوسط باتريك دوريل، ومديرة قسم الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية آن غيغن، وسفير مصر في باريس علاء يوسف، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
– تبيّن أّنّ الموفدة الأميركية كانت الأكثر انصاتاً، ولم تعلّق إلّا في مسألتين بارزتين: أولاً، الاستمرار في سياسة فرض العقوبات على المعطلين سواء في ما خصّ الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي أو في ما خصّ الرئاسة وذلك ردّاً على كلام الممثل القطري الذي طرح اشكالية العقوبات ومدى فعاليتها. وثانياً، الاستمرار في العمل على انهاء الاستحقاق الداهم.
– بدا الموقف السعودي حاسماً في رفض التعامل مع أي رئيس قريب من «حزب الله»، وذلك ردّاً على الطروحات التي تقدم بها ممثلا باريس والقاهرة، إلا أنّ بعض الدبلوماسيين في لبنان يقولون إن الموقف السعودي في اللقاء الباريسي لم يتجاوز إطار التحفّظ.
– كذلك، كان ردّ باريس والقاهرة حاسماً في فصل مسار الرئاسة الأولى عن مسار الرئاسة الثالثة، من باب العمل على إنهاء الأولى حصراً وتأجيل النقاش في الثانية، مع العلم أنّ الاتفاق – الرزمة هو مطلب سعودي بالدرجة الأولى.
ويقول المواكبون إنّ تسارع وتيرة انهيار سعر الليرة سيؤدي حكماً إلى تسخين حركة الشارع، وقد يكون أول مؤشرات انطلاق المعركة الرئاسية على نحو جدي، بعد أسابيع من «اللهو البرلماني»، بدليل أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله تحدث بشكل مباشر عن «تسييس الفوضى» اذ قال: «إذا كان البعض يخطّط للفوضى، إذا الأميركاني أو جماعة أميركا في لبنان يخططون للفوضى وانهيار البلد أقول لهم أنتم ستخسرون كل شيء في لبنان». وأضاف «من يراهن على أنّ الألم والوجع سيجعلان بيئتنا تتخلّى عن مبادئها وانجازاتها هو واهم، من يريد أن يدفع بلبنان إلى الفوضى والانهيار عليه أن يتوقّع كل ما لا يخطر في باله».
وفي مطلق الأحوال، يرى مطلعون أنّ تحمية الأرض قد تكون أولى جولات الملاكمة الجدية لحسم الملف الرئاسي، فيما تبيّن آخر البوانتاجات أنّ قوى الثامن من آذار لم تتمكن حتى الآن من بلوغ عتبة الستين صوتاً لتجييرها لمصلحة سليمان فرنجية بشكل يخالف التسريبات التي كانت تتحدث عن تأمين 65 صوتاً.