يظهر أن الساحة اللبنانية تتّجه إلى مرحلة جديدة ستشهد اصطفافات سياسية وحزبية، مع تبدّل في المشهد السياسي على خلفية تداعيات حرب روسيا ـ أوكرانيا، إضافة إلى عامل آخر يتمثّل بالخلاف السياسي القائم حالياً، حيث هناك معلومات عن جبهات سياسية عديدة ستولد على الساحة المحلية، وستبرز معالمه من خلال اللقاءات التي تُعقد في العاصمة الفرنسية بين بعض القيادات السياسية، التي بمعظمها كانت منضوية في فريق الرابع عشر من آذار، علماً أن الدافع الأساسي لهذه الإجتماعات، قد يكون ملف الإستحقاق الإنتخابي النيابي، وإعادة لملمة هذا الفريق الذي تبعثر بعد قرار الرئيس سعد الحريري بتعليق مسيرته السياسية وعزوفه عن المشاركة في الإنتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي، فإن الهدف يتركّز على تشكيل لائحة في العاصمة بيروت، وربما في مناطق أخرى، على خلفية عدم خسارة القواعد الشعبية والحزبية والمقاعد النيابية التي كانت من الركائز الأساسية للفوز بالأكثرية النيابية في الدورات السابقة.
وذكرت معلومات مواكبة لهذه اللقاءات الباريسية، أنه بعد قرار البعض من المشاركين فيها بعدم خوض الإنتخابات، يظهر أن هناك صعوبات كثيرة تواجه هذا الفريق، وأن الأمور لا تنحصر فقط في المنحى أو البعد الإنتخابي والتحالفات أو تشكيل اللوائح، وإنما السعي لتشكيل جبهة سياسية موحّدة لمواجهة الإستحقاقات القادمة والخصوم، ولو أدّى ذلك إلى العزوف عن خوض الإنتخابات النيابية، أو الحصول على أكثرية نيابية.
وبالتالي، فإن الأيام القادمة أيضاً، ستوضح بدورها ماهية نتائج لقاءات باريس، توازياً مع تلك التي تحصل في الداخل اللبناني، لتشكيل جبهة سياسية معارِضة، وفيما لو حصل التوافق على هذه الجبهة، أم اقتصر البحث على خوض الإنتخابات في الدائرة الثانية من بيروت، وعلى وجه الخصوص تشكيل لائحة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة. وفي المحصلة، وبفعل ما يتسرّب من أجواء ومؤشّرات، فإن الضبابية لا زالت حتى اليوم تغلّف هذه اللقاءات، ولا يخفى عن وجود صعوبات وعِقَد واعتبارات لدى أكثر من طرف، ما يحول دون التوافق على هذه الجبهة أو خوض الإستحقاق الإنتخابي النيابي المقبل.
في المقابل، تشير المعلومات نفسها، إلى أن مشاورات جرت بين بعض القيادات اللبنانية وأصدقاء أوروبيين، ومن أكثر من دولة معنية بالملف اللبناني، كشفت أن هناك برودة لافتة تجاه الملف اللبناني، وبالتالي، ليس هناك ما يشي بوجود أي حماسة دولية لإجراء هذا الإستحقاق في موعده، بعدما كان المجتمع الدولي يعطي هذه الإنتخابات أولوية مطلقة، ظنّاً منه بأنها مدخل لإنتاج سلطة سياسية جديدة في لبنان وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة إصلاحية، إنما تبدّل المشهد وتغيّرت معه كل العناوين بعد اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وأيضاً من خلال عدم القدرة من قبل أي طرف سياسي ورئاسي أو وزاري أو نيابي على الحدّ من الإنهيار الإقتصادي المتمادي، ليتبيّن أن البلد سيكون في هذه الفترة في مكان آخر، وبمنأى عن الإهتمامات التي كانت تحصل من قبل هذه الدولة وتلك لدعمه ومساعدته والوقوف إلى جانبه.