بعيداً عن لبنان الكئيب من دون فرحة الشعانين وبهجة العيد، وبعيداً أيضاً عن أجواء عودة اللبنانيين بالأمس ونجاح الحكومة حتى الآن في تجاوز هذا الاختبار، وبعيداً عن الجوّ «الكوروني» والإجراءات الصارمة التي اتخذها بالأمس وزير الداخليّة محمد فهمي لضبط إصرار بعض اللبنانيين على التفلّت من إجراءات التعبئة العامة من أجل سلامة اللبنانيّين، صحيح أنّ موضوع تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان باء بالفشل من دون فضيلة إعلان رئيس الحكومة حسان دياب عن سحب بنده من جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الماضية، استوقفنا خروج بعض الأصوات التي نادت باستقالة نواب تيّار المستقبل من المجلس النيابي والمطالبة بإجراء انتخابات نيابية جديدة!
للأمانة، لا نعلم إن كانت هذه التهديدات خرجت عن تيار المستقبل نفسه أو عن موالين له، ولكن في كلا الحالتيْن هذا النّوع من «العنترة» قد تودي بتيار المستقبل وبالرئيس سعد الحريري إلى خسارة سياسيّة فادحة، مجرّد هكذا كلام يجب سحبه من التداول والتبرّؤ منه، لأنّ أي عاقل جاهل بالسياسة يعرف أنّ مستوى هذا الكلام لا يناسب الظروف التي تمرّ بها البلاد أولاً على مستوى الوضع الصحي في ظلّ وباء يعصف بالعالم، وثانياً على مستوى تيار يمارس العمليّة السياسيّة بجديّة، هذه اللغة العبثيّة على «سخافتها» تسيء للرئيس سعد الحريري وتياره، وإذا كان هناك أصوات تعلة من بعض الرؤوس الحامية ولكن «الفارغة» داخل التيار المطلوب منعها من التصريح والتزام الصمت خدمة للمستقبل وتيّاره ورئيسه.
لا تنفع العودة إلى الوراء وإعادة قراءة إدارة الرئيس سعد الحريري لملفّ تشكيل حكومة جديدة بعد استقالته، فالأخطاء التي ارتكبت بفداحة أتت بحكومة حسان دياب، من غير المقبول أن يجنح تفكير البعض ولو هزلاً أو جدّاً إلى التلويح بإخراج الرئيس الحريري من آخر حصونه السياسيّة، وهو كلام مؤسف يدفع الحريري وتياره ثمن غباء بعض العباقرة المستقبليين!
ولنسلّم ونفترض جدلاً أن هذا الأمر حدث، ما الذي سيتغيّر؟ لا شيء، لأنّ هذا الخروج لن يعني خروج الطائفة السنيّة من المجلس النيابي، والبلاد في وضع وباء تفرض أن تتمّ عمليّة إنتخابيّة للنواب المستقيلين، في ظلّ «كورونا» التجمّعات ممنوعة، أمّا إمكانيّات الدولة الماديّة وإمكانات الرئيس الحريري والطامحين للمناصب «منشّفة عالآخر»، وثالثاً الانتخابات ستكون على القانون النسبي الذي أفرز هذا الواقع السياسي الذي كان الرئيس الحريري الوحيد الذي دفع ثمنه من رصيده السياسي والشخصي ويبقى أمرٌ أخير، فلنسلّم جدلاً أنّه حدثت «عجيبة» وأجريت الانتخابات فمن يضمن عدم خسارة الحريري وفريقه خسارة المزيد من مقاعد كتلته ووزنه السياسي؟!
هذه الأصوات «النّاعقة»، وإن كانت تُهدّد بـ»هبل» إلا أنّها لا تريد خيراً بالرئيس سعد الحريري ومسيرته السياسيّة، ويا ليت الرئيس الحريري ـ وبصدق شديد نقول ـ يعيد النّظر في فريقه السياسي، فالواقع السياسي الذي يعيشه اليوم أوصله إليه هذا الطّاقم الذي لم يحسن قراءة وحساب الواقع السياسي عربياً ولبنانيّاً ودولياً، قد تكون أخلص نصيحة توجّه للرئيس الحريري اليوم أن يكون فاعلاً وحاضراً مع اللبنانيين في لمشهد معاناتهم اليوميّة في ظلّ ما يعصف في البلاد، الغائب عن المشهد اللبناني اليوم لن يكون حاضراً في أي مشهد لاحقاً، في وقت يتسابق فيه الجميع لمدّ يد المساعدة للشعب اللبناني في محنة هذا الوباء، وماذا يفعل مستشاروه ومتى سيكون لديهم فهم حقيقي لحقيقة الواقع اللبناني وحجم التغييرات التي طرأت عليه.