بغض النظر عن تحليلات بعض الأفرقاء السياسيين وتوقعاتهم حيال نتائج الإنتخابات النيابية المقررة في 6 أيار المقبل، ما لم يحصل ما يمكن أن يؤجلها، فإن كل المؤشرات تدلّ في ضوء قانون الإنتخاب الجديد بنظامه «النسبي» و»حواصله» الإنتخابية وأصواته «التفضيلية»، الى أن أي فريق سياسي لن ينال الأكثرية النيابية العادية، أو المرموقة، أو الموصوفة.
النتائج المتوقعة للإنتخابات المقبلة، وفق قطب نيابي، ستكون في أفضل الحالات توزّع المقاعد النيابية بين جميع الأفرقاء، الى درجة أن أياً منهم لن يفوز بنصف هذه المقاعد، أي 64 نائباً من أصل 128 نائباً، الذين يتكوّن منهم المجلس النيابي.
وحسب هذا القطب، إن الحسابات التي يجريها البعض حول نتائج الإنتخابات ليست حسابات عددية أو دفترية بمقدار ما هي حسابات سياسية يبنونها على أساس التحالفات القائمة بين القوى السياسية، ويستخرجون منها نتائج إنتخابية من دون أن يدركوا أن التحالفات الإنتخابية هي تحالفات مصلحية، غالباً ما تنتهي بعد إعلان نتائج الإنتخابات، ويذهب المتحالفون كلٌّ الى عرينه، ولا تتحوّل تحالفات سياسية إلّا نادراً.
وما يحصل الآن في إطار المشهد الإنتخابي، هو أن بعض القوى السياسية يصرّ على التأكيد، والى حدّ اليقين، أن «حزب الله» «سيكون الرابح الأكبر في الإنتخابات» من حيث عدد المقاعد النيابية التي سيحصل عليها هو وحلفاؤه.
وفي حسابات هذا البعض الإنتخابية، إن «الحزب» متحالفاً مع حركة «أمل» و«التيارالوطني الحر» وأحزاب فريق «8 آذار» وبعض المستقلّين، سيفوزون بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية. في حين إن حسابات البعض الآخر من السياسيين، تذهب الى حدّ توقّع أن يستفيد «الحزب» من تحالفات حلفائه، وحتى مع خصوم له ربما، بما يزيد من عدد نوابه وحلفائه.
أما السياسيون الذين لا يغوصون في لغة الأعداد، فإنهم يرون أن العدد الكبير من المقاعد النيابية الذي قد يناله «الحزب» سيكون نتاج مجموع ما سيفوز به وحلفاؤه من هذه المقاعد، سواء في الدوائر التي سيخوض المعركة الإنتخابية فيها وإياهم، أو في الدوائر التي يخوض فيها حلفاؤه معركتهم منفردين، أو مع حلفاء ضد أفرقاء آخرين.
لكن مطّلعين على توجّه «حزب الله» إزاء الإنتخابات يرون أن هناك مبالغة في الحديث عن إكتساحه وحلفائه غالبية المقاعد النيابية في كثير من الدوائر. فحسب معطياتهم، لا توجّه لدى «الحزب» ولا قرار لديه بالعمل للإستحواذ على الأكثرية النيابىة لأسباب وإعتبارات كثيرة لديه، بعضها داخلي لبناني والبعض الآخر إقليمي ـ دولي.
فالأسباب والإعتبارات اللبنانية التي تدفع «الحزب» الى تجنّب الإستحواذ على الأكثرية النيابية، مردّها الى اقتناعه وحلفائه بأن لبنان لا يُحكم بأكثرية من لون واحد، أو حتى من ألوان مختلفة سياسية وطائفية ومذهبية ذات توجّه سياسي واحد، وإن التجارب السابقة والحالية خير دليل، إذ أن أي فريق سياسي فاز بالأكثرية النيابية لم يتمكن يوماً من حكم البلاد بمفرده، وخصوصاً منذ العام 2005 عندما حصل الزلزال الكبير باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ولذلك يرى «الحزب» وحلفاؤه، وحتى الخصوم أيضاً، أن نيل الأكثريبة النيابية لا يقدِّم ولا يؤخِّر على مستوى حكم البلاد الذي لا يتم إلّا بمشاركة جميع القوى السياسية،(وحتى من يفشل منها في الإنتخابات أحياناً) في الحكومات من أجل تأمين أوسع مشاركة وتمثيل في السلطة التنفيذية وفق مقتضيات الوفاق الوطني.
أما في الأسباب الخارجية التي تُحتِّم على «الحزب» وحلفائه عدم السعي للفوز بالأكثرية النيابية، فإنه في ظل الحملة الإقليمية والدولية التي يتعرّض لها بعناوين مختلفة، ويرى أنها تستهدف وجوده بكل مظاهره ومستوياته، لا يريد أن يُعطي من خلال فوزه بأكثرية نيابية أي ذريعة للقوى الخارجية المعادية له وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لشن مزيد من الحملات عليه مستهدفة تقويضه تحت عنوان أنه «منظمة إرهابية»، حسب التوصيف الأميركي، وهو توصيف كرره وزير الخزانة الأميركية خلال زيارته لبيروت قبل أيام.
ربما يرتاح «حزب الله» في حال تمكن حلفاؤه من الفوز بالعدد الذي يطمحون اليه من المقاعد النيابية، ولكنهم في الوقت نفسه يدركون ان جميع مقاعدهم حتى ولو شكلت اكثرية نيابية مطلقة او مرموقة او موصوفة لا يمكنهم عملياً وسياسياً وبكل المعايير من التفرّد بتكوين السلطة الجديدة، بل سيكونون ملزمين بإشراك خصومهم وحتى المستقلين منهم معهم في هذه السلطة لأن روحية «اتفاق الطائف» وفلسفته وترجمته لهذه الناحية تقضي بأن تكون كل الحكومات التي تؤلف بموجبه، أي بموجب الدستور الذي انبثق منه، حكومات وفاق وطني، لأن السلطة التنفيذية التي كانت في يد رئيس الجمهورية بمفرده قبل «الطائف» باتت اليوم في مجلس الوزراء مجتمعاً وتتمثل فيه كل القوى السياسية والطوائف والمذاهب.
ولذلك، يقول فريق من السياسيين، ان الانتخابات ستحصل في موعدها وبعيداً عن اي اعتراض على قانونها والاجراءات الخاصة بها، في حال وقف الجميع الآن في منتصف الطريق والقوا نظرة الى الوراء فيدركون ان البلد لم تحكمه فئة واحدة من لون واحد او من الوان مختلفة ذات توجه سياسي واحد، اقله منذ العام 2005 عندما انقسمت البلاد الى فريقين هما 8 و14 آذار، إذ ان هذين الفريقين محكومين بالتشارك في ما بينهم في السلطة التنفيذية، إلاّ في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية التي إستبعد فريق 14 آذار نفسه عنها بعدما عمل ميقاتي حتى فقد الحيلة لإشراكها في هذه الحكومة، ولكنها اصرت على عدم المشاركة، ثم ذهبت الى وصف تلك الحكومة بأنها «حكومة حزب الله» حاملة على ميقاتي ومخوّنة له، ليتبيّن مع الايام أن ميقاتي تفهّم موقفها ومطالبها ولبّى الكثير منها، ولم تعترف له بجميل الصنع، رغم انها، اي 14 آذار، حصلت من تلك الحكومة الميقاتية على كثير مما لم تحصل عليه ايام حكومات الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة السابقة.