لا يدري أحدٌ ماذا يحصل في كواليس البحث في قانون الإنتخاب، فتارةً يرتفع منسوبُ النسبية وطوراً يروّج البعض لعودة «الستين»، لكنّ الحقيقة أنّ الشعب فقد الثقة، ومهما كانت النتيجة فإنّ الغالبية باتت غيرُ مبالية، لأنّ القديمَ سيعود إلى قِدَمه، والطبقةُ السياسية ستجدّدُ لنفسِها.
قد يكون الخوف من الفراغ في مجلس النوّاب في غير محلّه، لأنّ غالبية النواب في الأساس لم تقم بواجباتها التشريعيّة ودورها الرقابي، لذلك يعيش لبنان هذا الفراغ، خصوصاً بعد التمديد الأوّل عام 2013، فيما الفارق الوحيد أنّ النواب إذا مدّدوا لأنفسهم سيقبضون رواتبَهم كاملةً مقابل إنتاجية صفر، في حين أنّ الفراغ لبضعة أشهر سيجعلهم يتقاضون جزءاً من معاشاتهم لأنهم سيصبحون نواباً سابقين، قبل أن يحملهم أيُّ قانون إنتخابي الى المجلس النيابي، لأنّ المشكلة ليست في القوانين، بل في ذهنية اللبناني التي لا تُحاسِب.
في السياق، لم يكن في الإمكان، حسب ما يقول مطّلعون على المناقشات في الأشهر الأخيرة، معرفة الإتجاه الذي ستسلكه الأوضاع، إذ إنّ البحث كان يتناول قانون الإنتخاب شكلاً، لكنه في المضمون ذهب إلى حدّ التأسيس لنظامٍ جديد، والمدخل الى ذلك كان مجلس الشيوخ.
ويرى المراقبون أنّ الطريقة التي طُرِح بها هذا المجلس تؤسّس لمشكلة وليس لحلّ الأزمة السياسية والوطنية. صحيح أنّ «اتفاق الطائف» نصّ على إنشاء مجلس شيوخ، لكنه ربطه بانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي، وبالتالي لو حصل ذلك لكانت الأجواء حُضِّرَت فعلاً لحرب أهلية جديدة وسط الإحتقان المذهبي والطائفي الذي بلغ الذروة في الفترة الماضية.
عندما كانت السلطة الحاكمة أيام الوجود السوري في لبنان تهدّد المسيحيين بإلغاء الطائفية السياسية رداً على مطالبتهم بانسحاب الجيش السوري من لبنان، كان جواب البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير: «يجب إزالة الطائفية من النفوس قبل النصوص».
ولكن هذا الأمر لم يتحقق حتى الآن، بل ارتفع منسوب الطائفية في خطابات الزعامات وتفوّق بعضها على خطابات فترة الحرب الأهلية، لذلك فإنّ المغامرة كانت كبيرة والدليل عودة الجميع الى التوازنات التي كانت قائمة.
فعندما طالب المسيحيون بتحقيق المناصفة الفعلية، خرج اقتراح مجلس الشيوخ فزّاعة لهم، لكنهم حوّلوا هذا الأمر جدلية أحرجت البعض، خصوصاً عندما بدأت المشكلة على رئاسته، هل تذهب للدروز، أو للمسيحيين؟
وعندما إحتدم النقاش أيضاً، حاول البعض إمرار أفكار مفادها أنه إذا كانت رئاسة مجلسة الشيوخ للدروز فيجب إعادة صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كما كانت عليه قبل «إتفاق الطائف» لأنه عندها سيصبح هناك رئاسة واحدة للمسيحيين وثلاث رئاسات للمسلمين، فتوقّف النقاش عند هذا الحدّ.
ويؤكد مشاركون في النقاشات أنّ البحث لم يكن سليماً، فعندما طُرح تعزيز صلاحية رئيس الجمهورية كاد أن يقع صدام مع رئاسة الحكومة، أي صدام ماروني – سنّي، وعندما طرحت صلاحيات رئيس مجلس الشيوخ ورئاسة مجلس النواب شعر الشيعة بالمَسّ بصلاحياتهم، عندها أيقن الجميع أنّ هزّ التوازنات الحالية سيفتح مشكلة في البلد، فتوقف البحث في شكل النظام واستمرّ في قانون الانتخاب.
مَن يقول إنّ البلد كان يُدار مثالثة بين السنّي والشيعي والماروني، كان مخطِئاً، لأنّ المرابعة كانت متحكّمة، فالدور الذي أعطيَ للنائب وليد جنبلاط فاق دور المسيحيين، والجميع يتذكر أنّ أحداً لم يكن في استطاعته أو مقدوره الوقوف في وجهه، والمثالثة الحقيقية كانت سنّية – شيعية – درزية لأنّ المسيحيين أُبعِدوا عن السلطة منذ توقيع «إتفاق الطائف»، كما أنّ حجم النواب الذي كان يسيطر عليه جنبلاط يضاهي حجم النواب المسيحيين المستقلين فترة المقاطعة المسيحية. ومع إعطاء مجلس الشيوخ للدروز كانت «المرابعة» واقعةً حكماً، وهذه المرة بالقانون والدستور وعلى الورق.
تؤكد القيادات المسيحية أنها لا تريد إلغاءَ أحد، خصوصاً المكوِّن الدرزي، لكن لا تراجع عن رحلة البحث عن قانون عادل، لذلك لا تزال متمسِّكة بالقانون الأفضل الذي يؤمّن صحة التمثيل ولن ترضى بقانون كيفما كان. لكن هل ينتصر الواقع على الطموح ويعود قانون «الستين»؟