الأطراف على مواقفها ومخاوف من دخول لبنان بأزمة سياسية مفتوحة
حملة التصعيد الأخيرة تؤجِّج أجواء التشنج السياسي وتزيد من تعقيدات تأليف الحكومة
تحريك مثل هذه الحملات التصعيدية المشبوهة في غمرة هذا التوقيت السياسي المتأزم يحمل في طيّاته أكثر من تساؤل
لا يُمكن فصل حملة الشتم واستباحة الكرامات التي أطلقها وئام وهّاب ضد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وتجاوزت كل حدود الانتقاد السياسي إلى النيل من الرئيس الشهيد رفيق الحريري عن مسار حملة التصعيد السياسي التي شنّها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله منذ مُـدّة لتعطيل الحكومة الجديدة باشتراطة توزير أحد النواب السُنَّة الستة التابعين للحزب وللنظام السوري، بل أنها تأتي من ضمنها لممارسة مزيد من الضغوط على الرئيس المكلف لحمله على الانصياع قسراً لهذا المطلب التعجيزي الذي لم يكن ملحوظاً في جدول التشاور والتفاهمات لتشكيل الحكومة منذ البداية.
ولعل ردود الفعل والتداعيات السلبية على هذه الحملة المنحطة، تؤشر بوضوح إلى ما كان يُمكن ان تتسبب به من توترات أمنية وردود فعل بالغة الخطورة، وتؤدي إلى أرباكات وتعقيدات إضافية في المسار المعقد لتشكيل الحكومة وتزيد من تأجيج الوضع السياسي المتأزم أصلاً لو لم يتم تطويقها ووضعها في اطارها القضائي ومنع كل محاولات استغلالها وتفلتها من عقالها.
وللتأكيد على ان حملة الشتم هذه مرتبطة بحملة التصعيد السياسي ضد رئيس الحكومة المكلف، هو الغياب المطلق وشبه الكامل لأي مواقف او ردات فعل من مشغلي وهّاب، أكانوا من «حزب الله» أو حلفائهم، ترفض أو تستنكر أو حتى تنتقد مثل هذا الانحطاط الكلامي، بل لوحظ ان هناك صمتاً مطبقاً وكأن هناك موافقة ضمنية على هذه الحملة، كما كان يحدث في كل مرّة يتصاعد فيه الخلاف السياسي بين الحزب وخصومه السياسيين حول أي مسألة من المسائل، في حين لم تشفع المواقف الصادرة بعدما حصل في الجاهلية أصحاب هذه المواقف من مسؤوليتها بحملة التوتير والتصعيد هذه.
وفي غمرة ما حصل وردود الفعل عليه من كل جانب، يبقى السؤال المطروح هو، هل يؤدي هذا التصعيد الإضافي الذي تولاه وهّاب بالجاهلية في تسريع الخطى لتشكيل الحكومة المرتقبة، أم يضفي على مسار التأليف تعقيدات إضافية؟ الواضح مما حصل على خلفية الحملة هذه بأن المقصود منها الرد ميدانياً على رفض رئيس الحكومة المكلف التجاوب مع محاولات «حزب الله» فرض توزير أحد النواب السُنَّة التابعين للحزب ولو كان من خلال مثل هذه الأساليب التي مورست في محطات واحداث سابقة لم ينساها اللبنانيون بعد وما زالت بصماتها وتداعياتها قائمة، فلو كانت الأجواء السياسية ملائمة وأكثر هدوءًا وهناك حرص على مصلحة البلد بالفعل وليس بالقول، لما كانت تحصل مثل هذه الحملات وما تبعها من ردّات فعل سلبية وخطيرة قد تؤدي إلى اهتزازات أمنية وعواقب غير محمودة، وحتى لو حصلت عن غير قصد أو توجيه منظم من الداخل أو الخارج وخصوصاً من النظام السوري، لأمكن استيعابها بسرعة وتطويق مفاعيلها والانتقال مباشرة إلى تسريع الخطى لتشكيل الحكومة لمنع تكرار ما حصل ولتمكين السلطة من القيام بالمهمات المنوطة بها في حفظ الأمن والاستقرار وملاحقة كل المتسببين بحصول مثل هذه الحوادث المقلقة والتي يمكن ان يؤدي تكرارها إلى عواقب لا يمكن التكهن بنتائجها الخطيرة.
ولكن تحريك مثل هذه الحملات التصعيدية المشبوهة في غمرة هذا التوقيت السياسي المتأزم يحمل في طيّاته أكثر من تساؤل واستفسار واحتمالات متشائمة من أن يؤدي إلى حملات تصعيدية متبادلة بين الأطراف المختلفة على مسألة تشكيل الحكومة والحصص المطروحة من قبل كل طرف فيها، لأن مؤشر تحريك مثل هذه الحملات، لا يدل على نوايا سليمة لتذليل الصعوبات وتقريب وجهات النظر وتسهيل ولادة الحكومة بأقرب وقت ممكن، بل يدل على نوايا مبيتة ومحاولات مكشوفة لإرغام الخصوم على القبول بالشروط المطروحة تحت ضغط التوترات والحملات والاضطراب السياسي المتواصل.
وإذا كان الخلاف الحاصل يتجاوز مسألة توزير ممثّل عن النواب السُنة التابعين لحزب الله والحصص المطروحة إلى أبعد من ذلك، وتحديداً لإحكام القبضة على المسار السياسي والدستوري لمسألة تشكيل الحكومة خلافاً للأسس الدستورية، فهذا يعني ان لبنان قد دخل بالفعل بأزمة سياسية مفتوحة عنوانها الخلاف على تشكيل الحكومة وباطنها أبعد من ذلك بكثير.