لا يزال حزب الله مستخفا بمجريات المحكمة الجنائية الدولية حيث يتصور انها من نتاج عربي من المألوف كسر احكامها، لاسيما ان الدول العربية عودتنا على محاكم تتولى من خلالها تصفية الخصوم السياسيين وتصل بنتائجها الى حد تغيير الانظمة وتنهي احلام من يعتقد انه الاجدر بالحكم وليس سواه، فيما تؤكد المعطيات الدولية ان المحاكم الجنائية في العالم المتمدن قادرة على وضع الامور في نصابها عبر ادلة لا يرقى الشك الى ما خلصت اليه بعد الحرب العالمية الثانية، التي كسرت ظهر هذا الحاكم او ذاك بعد طول اعتقاد ان هذا الزعيم لن يحترق لا في قدراته ولا في الحكم الذي كان يتولاه؟!
ان المحاكم الجنائية الدولية اثبتت قدرتها على انها مؤهلة لان تصل الى نهايتها الحتمية من غير التوقف عند قرارات من النوع الذي كان ولا يزال يصدر عن المحاكم العربية وتلك التي تجري في دول العالم الثالث، لاسيما في جمهوريات الموز، حيث لكل محكمة قدرات شخصية محسوبة على الحاكم والا لن تكون احكام محسوبة على مصلحة الحكام؟!
واذا كان من مجال للقول ان المحاكم الدولية غير قادرة على ان تصل الى الاشرار الكبار، فان الطعن باحكامها كما هو سائد عندنا من جانب حزب الله، لا يكفي وحده لاعلان البراءة المطلقة، لاسيما ان الشهود في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري اعطوا كل ما عندهم من معلومات بحق من كانوا يرون فيهم اصول المرتكبين من خلال النظام السوري الذي حكم لبنان لسنين طويلة، بغطاء من معظم السياسيين الذين كانوا على علاقة وطيدة بمخابرات الشام، وحصلوا في المقابل على كل ما كانوا يتطلعون اليه من خدمات في الحكم وخارجه!
هذا الشيء يستحيل دحضه بمجرد الانكار لانه موثق ومشهود له من ضمن اهل البيت الذين توالوا على تقديم معلوماتهم وخدمات متبادلة بينهم وبين النظام السوري الذي فتك باصول الحكم عندنا ولم يوفر احدا من الذين كانوا على خصومة معه، كذلك فعل بالذين عادوه لاعتبارات سياسية وبسبب مصالح من شأنها وضع الامور في نصابها الصحيح بعد طول سيطرة على مجريات الحكم، الامر الذي يعني ان رفض التهم الموجهة الى السوريين اقل شأنا من رفض التهم الموجهة الى حزب الله، حيث لكل من الجانبين سوء سلوك من الصعب تكذيبه!
رب قائل ان حزب الله لم يكن ليرتكب ما ارتكبه في طول لبنان وعرضه لولا تفانيه في خدمة نظام بشار الاسد الذي لم يقصر بدوره في اللعب بقدرات الحزب وطاقاته السياسية والامنية، والادلة على ذلك اكثر من ان تحصى لاسيما بالنسبة الى احداث ايار 2005 – 2006 التي حولت لبنان الى حرب اهلية متطورة على خلفية رفض الرئيس رفيق الحريري التجديد للرئيس اميل لحود، الذي كان بدوره صنيعة للمحتل بمعدلات قياسية، منعت السياسيين من ان يمارسوا دورهم في حكم البلد تحت التهديد والوعيد، خصوصا ان حزب الله استخدم في تلك الاونة مختلف انواع الاسلحة وكأنه في حرب مع اسرائيل!
وفي عودة الى المحكمة الجنائية الدولية فهي وان كانت تظهر جوانب من الحرب السورية في لبنان وعلى بعض السياسيين، فانها نفذت بايدي مسلحي حزب الله بعدما تأمن الغطاء لهم وعلى امل ان تتطور الامور الى حد الغاء القرار الوطني بما في ذلك قرار كل من ناصب السوريين العداء، اعتقادا من هؤلاء ان ازاحة الرئيس رفيق الحريري لا تكفي وحدها لتغيير الوجه السياسي للبنان، اضافة الى ان حزب الله عندما يطعن بشرعية المحكمة الدولية فانه يستخدم وسائل لبنانية على امل ان يغطي ارتكاباته ليس الا (…).
والامر عينه ينطبق على حزب الله الذي لا يزال يعتقد ويتصور ان بوسعه جعل الاتهام محصورا بقلة قليلة من عناصره، ممن كانوا العوبة في يد السوري، قياسا على التحالف القائم بينهما وقياسا على دخول حزب الله الحرب دفاعا عن النظام السوري حتى ولو كانت النتيجة زيادة حجم القتلى السوريين، وهذا بدوره من ضمن ما هو قائم بين الحزب من جهة وبين الحزب والقرار الايراني الذي يؤمن للحزب كل ما يحتاجه من قدرات مادية ومعنوية، ما يتيح للحزب البقاء على ما هو عليه من ندية تكاد توازي كل ما لدى الدولة من طاقات يصعب على اي كان التخفيف من تأثيراتها، من غير حاجة للقول ان الحزب مجبر على ارتكاب الجرائم المنسوبة اليه؟!