Site icon IMLebanon

مفارقة معبّرة في تسليم سلاح الهبة السعودية حملة الحزب تُحصر داخلياً بأبعادها الإيرانية

تبرز مفارقة غداة الخطاب الذي القاه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تحت عنوان التضامن مع الشعب اليمني الذي شن فيه حملة جديدة ضد المملكة العربية السعودية معدداً اتهامات يحاول ان يدحض فيها صفة “مملكة الخير” التي يطلقها مؤيدو العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن عليها مع وصول دفعة اولى من الاسلحة الفرنسية الى الجيش اللبناني ضمن هبة الثلاثة مليارات دولار التي قدمتها المملكة السعودية للبنان يسلمها وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان الذي يزور بيروت لهذه الغاية. والمناسبة ليست مقصودة في هذا السياق، أي الرد على نصرالله، باعتبارها مقررة منذ اشهر. لكنها ستلقي الضوء بقوة على هبة للسعودية للجيش اللبناني بدأ تنفيذها وستكون فرصة للمسؤولين اللبنانيين، ولا سيما للحكومة التي نأت بنفسها عن التدخل في السجال الداخلي حول اليمن على نحو مثير للازعاج والاستياء لدى الدول الخليجية، من أجل تصحيح الموقف من خلال توجيه الشكر مجددا الى المملكة بحيث لا تنقض كليا ما اتى عليه الامين العام للحزب في خطابه فحسب بل تزيد عزل موقفه داخليا في موضوع السعودية.

وتعيد هذه المفارقة الى الاذهان وقائع واجهها افرقاء سياسيون في الداخل حين جاهر الحزب بانخراطه كليا في الحرب السورية ايام الحكومة السابقة. آنذاك رفع تيار المستقبل شعارا يفيد بانه لن يحاور الحزب ما لم ينسحب من سوريا، فلقي انتقادات كثيرة من صفوفه كما من خارجه لهذا الشرط غير الواقعي، ليس لأن انخراط الحزب في الحرب هو عامل اقليمي فحسب بل لانه سيرتب على الحزب تبعات كبيرة من المستحسن ان يترك ليحصد تبعاتها لاحقاً في ظل واقع ديموغرافي ومذهبي في المنطقة لا يمكن تجاهله، خصوصا انه لن يقتنع من نصائح خصومه في الوقت الذي سيجمد هذا الشرط الوضع اللبناني في التوتر من دون أي نتيجة. وهي تجربة تجد مصادر سياسية حيادية انها تتكرر في موضوع تورط الحزب في حرب اعلامية وسياسية ضد المملكة (والبعض يقول اكثر أي ميدانيا) ما يضعفه سياسيا في لبنان ويعطي خصومه اوراقا قوية. اذ ان الثغرة الكبيرة في موقفه انه ينكر على السعودية حماية خاصرتها الامنية فيما هو رفع لواء حماية “المقاومة” والمقامات الشيعية لدى تدخله في سوريا ولاحقا دعم منطقه بانه يقوم بحرب استباقية من أجل تجنب وصول داعش الى لبنان.

هذا في الشكل. أما في المضمون فترى غالبية الاوساط السياسية في الحملة التي يقوم بها الامين العام للحزب ضد المملكة استعانة ايرانية بوجه عربي لئلا تكون مواقف مسؤوليها من اليمن، والتي يترجمها السيد نصرالله، حملة فارسية على اليمن فتستثيرمزيدا من غضب الدول العربية، لكنها ايضا تعبير غاضب عن المأزق الذي تجد ايران نفسها فيه في محاولة عدم تسجيل خسارة فادحة لها في اليمن، انطلاقا من واقع ان السعودية ترفض ما تعرضه ايران لجهة وقف النار فورا والذهاب الى حوار يكرس الواقع الميداني الراهن أي ما يحفظ للحوثيين ماء وجههم ولا يعرضهم لخسارة فادحة. وفيما تعرب مصادر ديبلوماسية عن تفهمها لدوافع المملكة للحرب التي تقوم بها ما كفل لها تضامن المجتمع الدولي كما تقول. فهي لا تخفي اعتقادها ان ايران وجدت نفسها فجأة في الزاوية وهي غير قادرة على احتواء الهزيمة المعنوية، خصوصا بعدما بات اليمن في جيبها، وفقا لتصريحات مسؤوليها عن سيطرة ايران على اربع عواصم عربية. ذلك في الوقت الذي يبدو ان الهامش السياسي والميداني ضاق امام ايران الى حد كبير بعد صدور القرار الدولي 2116 تحت الفصل السابع. اذ جمّد قدرتها على دعم الحوثيين ميدانيا واعاد الاعتبار لرعاية الرياض المبادرة الخليجية للحل. وتكشف هذه المصادر ان ايران تلقت نصائح دولية عدة بوجوب ان تعمد الى المساهمة في وقف الحرب على اليمن من خلال الاشارة الى الحوثيين بضرورة التراجع الى مواقعهم اذا كانت تقيم اعتبارا للمعاناة الانسانية التي ترفعها في انتقادها الحملة العسكرية السعودية، خصوصا ان هناك قرارا دوليا يعيد الاعتبار للمبادرة الخليجية ويطلب ان يكون الحوثيون على طاولة الحوار من أجل الخروج بحل لأزمة اليمن. وتؤكد هذه المصادر ان المملكة السعودية داعمة للحل السياسي انطلاقا من معرفتها بأن الضربات العسكرية ليست هدفا ولا حلا في ذاتها، وهي تريد الحوثيين الى الطاولة لكن وفق حجمهم الطبيعي وليس وفق مكاسبهم الاخيرة بعد سيطرتهم على مؤسسات الدولة ومرافقها. ولعل ضربة معنوية اخرى تلقتها ايران في السياق نفسه ابان زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لواشنطن الاسبوع الماضي الذي انتقد الحملة السعودية ونقل عن المسؤولين الاميركيين انتقادهم المملكة ايضا، ما اضطر البيت الابيض الى نفي مزاعم العبادي، لا بل ادى ذلك الى محاولة تصحيح هذا الاخير موقفه باعلانه من واشنطن ابلاغه ايران رفض بلاده سرقة قائد فيلق القدس قاسم سليماني جهود القوات العراقية مشددا على ضرورة احترام ايران سيادة بلاده وتمرير كل المساعدات عبر حكومته وان المرجعية الشيعية في العراق توافقه على ذلك. ولا تستبعد المصادر ارتباط التوتر الايراني بالقمة المرتقبة للدول الخليجية مع الرئيس الاميركي والتي ستتمحور حكما على الملف النووي الايراني والملف اليمني في ما خص تقديم الضمانات الكلية لهذه الدول.