استحضر أحد مواكبي الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” بعض ما ورد على لسان إحدى المشاركات في برنامج تلفزيوني اجتماعي متنوع مساء الاثنين، وتوقف عند بعض العبارات، ملاحظاً انها “تنم عن شيء دفين” لدى تلك المشاركة كما قال، لأسباب لا مجال للخوض فيها ضمن هذا السياق، وليخلص الى الاستنتاج أن تلك “الحالة” وحدها تكفي للتذكير بضرورة المضي في العلاج اللازم لها ولحالات أخرى مشابهة، وهو الحوار بين الأحزاب والتكتلات السياسية المختلفة في لبنان، وفي طليعتها “حزب الله” و”تيار المستقبل” اللذان بدأا حواراً منذ مدة قصيرة يتواصل من خلال جلسات دورية، وقد ثبت بما لا يقبل الشك أنها أرخت بظلالها على الجو العام في البلاد وتركت انعكاسات إيجابية على المستوى الشعبي والبيئة الحاضنة لكل من الطرفين.
وبمعزل عن الجدل الحاد والعنيف في البرنامج المشار اليه والذي بدأ على خلفية ما جرى خلال اجتماع اتحاد المحامين العرب في القاهرة الاسبوع الماضي بين الوفدين اللبناني والسوري، ولم يعد سرا، فقد عُرض على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي، اذ تعرض بعض اعضاء الوفد السوري لبعض اعضاء الوفد اللبناني بالضرب خلال مداخلة لأحد المحامين اللبنانيّين تطرق فيها الى الحرب في سوريا، لافتا الى ان “الجيش السوري يقتل شعبه”، فإن ما استوقف المتحدث المشار اليه (احد مواكبي الحوار) بل ما “صعقه” وفق تعبيره، هو سيل الشتائم الذي انهالت به المشاركة المذكورة ردا على زميلها الذي اتهمها بمؤازرة الوفد السوري ضد الوفد اللبناني والتملّق والمزايدة وما شابه، وقد تضمن تطاولاً على دولة عربية كبرى وعلى امرأتين وسياسيين لا علاقة لهم بالسجال من قريب ولا من بعيد، بأقذع العبارات! وهذا في رأيه “ان دل على شيء فعلى مخزون الحقد والكراهية لدى بعض الناس، وهو امر يحتاج الى علاج فوري وعناية فائقة فعلا ودون مبالغة… والمؤسف ان بعض الناس البسطاء الطيبين يفوقون وعياً ورقياً بعض مَن يفترض انهم اكثر تعقلا”!
ويدعو نقابة المحامين الى “اجراء تحقيق فوري وعاجل واتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة لكون طرفي السجال محامين، وذلك حرصا على سمعة النقابة، بل سمعة المهنة عموما، واحتراما لعقول الناس ومنعا لإفساد جيل بكامله من خلال العبارات التي استعملت، والتي اقل ما يقال فيها انها تضمنت شتائم وتحريضاً فئوياً”…
واستناداً إلى تجربة غنية في الحوار انتهت بوثيقة تفاهم بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، فإن مجرد بدء الحوار بين طرفين مختلفين ينعكس على الفور ارتياحاً على كل صعيد وعلى المناخ العام في البلاد، وهذا ما أثبتته، وإن جزئياً، تجربة الأسابيع الماضية بعد بدء الحوار بين “المستقبل” و”حزب الله”، وهي تجربة قابلة للتوسع في انعكاساتها الايجابية اذا استمر الطرفان بالجدية نفسها، فكيف إذا توصلا الى ورقة تفاهم؟
ويبدو واضحاً من خلال مواقفهما المتكررة انهما مصممان على المضي قدماً في الحوار، رغم بعض التصريحات والسجالات بين الحين والآخر حول عناوين محددة، وهي موضع خلاف بين الطرفين، وابرزها مشاركة “حزب الله” في الحرب في سوريا. وفي هذا السياق تقول مصادر سياسية مستقلة ان “لا نية لدى اي من الطرفين لوقف الحوار الذي يعكس قرارا دوليا واقليميا بالتهدئة ومنع التصعيد في لبنان، في انتظار جلاء الاوضاع في المنطقة، وفي طليعتها عنوانان كبيران: الملف النووي الايراني والمفاوضات الاميركية – الايرانية في شأنه، وتطورات الوضع في سوريا”. ولا تخفي تلك المصادر “استشعار خطر في لبنان اذا تعقّدت المفاوضات الاميركية – الايرانية”. وتخلص الى الاستنتاج ان “لا خوف من توتر على الحدود اللبنانية الجنوبية على خلفية الغارة الاسرائيلية التي استهدفت موكباً عسكرياً مشتركاً للحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” في القنيطرة السورية على تخوم منطقة الجولان المحتلة، وتستند في اطمئنانها الى ان “ما حدث، كان خارج لبنان، والرد اذا حصل سيكون على ما يبدو، هناك”. وترى في الوقت نفسه ان “لا خوف من تصعيد عسكري في المنطقة في ظل استمرار المفاوضات الاميركية – الايرانية التي تتقدم على كل ما عداها، بما في ذلك الغارة الاسرائيلية الاخيرة”. وتكرر عدم تخوفها من أي تطور كبير على الرغم من التصريحات الايرانية التصعيدية والتي “غالبا ما تكون موجهة الى عامة الناس لاستيعاب تداعيات الغارة تدريجاً، وقد سقط فيها ضابط كبير في الحرس الثوري الايراني وكوادر قيادية في “حزب الله”، وترى أخيراً ان “المحادثات الاميركية – الايرانية لن تتوقف نتيجة الحدث الاخير، رغم خطورته”!