قد تكون مفارقة نادرة ولا تخلو من غرابة ان ينصفك خصمك اكثر مما يفعل حليفك، على غرار ما فعل “حزب الله” في حملته العنيفة الاخيرة على قوى ١٤ آذار. جاءت المفارقة هذه المرة من النافذة الأمامية لتحالف ١٤ آذار التي شهدت أشد عملية جلد ذات طوعية علنية عرفتها مؤتمرات هذا التحالف منذ نشوئه. سواء في المنبريات الاعلامية والصحافية او في كواليس المؤتمر راح كثيرون بعيدا جدا في تظهير خيبة من نهج التحالف الامر الذي يستحق التعمق فيه لانه قد يشكل في البعد الديموقراطي الصرف اختراقا جميلا في مشهد داخلي نمطي متكلس. ومع ذلك برز افراط في إظهار هذه الخيبة اقرب الى ترف مبالغ فيه في التعامل مع واقع شديد التعقيدات لا يحتمل مزايدات في تكبير الأحلام. من هذه الناحية يضحي بعض جلد الذات مؤذيا متى اوحي بانتقال أمراض حب السلطة الى هيكل تنظيمي جديد سمي المجلس الوطني لقوى ١٤ آذار، وأثار ما اثار من غبار داخلي ضمن المؤتمر وبعده.
لكن المسألة الاهم التي تستدعي التوقف عند مواقف الخائبين تتجاوز البعد التنظيمي الى السؤال ماذا تراهم كانوا ينتظرون من المؤتمر؟ لا شك اطلاقا ان قياس انشاء مجلس وطني وإعلان ورقة سياسية تتضمن ثوابت التحالف بعد عشر سنوات من ولادته لا يرضي طموحات من أشعل اكبر ثورة إستقلالية في تاريخ لبنان. ولكن أيضاً من انتظر بالامس ان تتجاوز قوى ١٤ آذار السقف الذي أعلنته إنما كان أيضاً كمن يحلق بعيدا في الرومانسيات.
ولعل هنا تماما تكمن نقطة الوصل والفصل بين اشكالية نشأت منذ انطلاق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في رسم حدود الضرورات الحيوية الملحة للاستقرار الداخلي امام اتساع معالم الصراع بين ١٤ آذار والحزب وحلفائه على كل شيء تقريبا بعدما تجاوز الحزب كل القواعد المألوفة في الاشتباك السياسي بالتسويغ لنفسه احاديا دورا قتاليا عابرا للساحات الاقليمية. واذ جاءت الورقة السياسية الاولى للمجلس الوطني الناشئ لقوى ١٤ آذار لتمعن في تظهير الصراع على هذه النقطة الملتهبة فان مبادرة الحزب الى اشعال حملة شديدة الحدة ضدها اظهرت في جانب منها ايجابية ضمنية تتمثل في تنامي حساسية الحزب حيال الرفض الداخلي لاتساع تورطه في سوريا والإقليم وعدم امكان استمراره في منطق إدارة الظهر لهذا الرفض. ولا يفيد في حجب هذا الجانب “فولكلور” فاقد الصلاحية باستعادة التصويب على رموز في تيار المستقبل و١٤ آذار وتصويرهم كأنهم يسبحون خارج الملعب الجامع للتحالف.
فهل أخطأ الحزب هذه المرة وذهب الى انصاف خصومه بمغالاة في الانفعال، ام تراهم الانصار الحانقون في التحالف أخطأوا التقدير وأدركوا ذلك متأخرين؟