ينظر الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية، إلى الجناح العسكري لـ»حزب الله» على أنّه إحدى الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة، كالحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق. ويُطرح سلاح «الحزب» دولياً، من هذه الزاوية، ضمن بند علاقة إيران بدول الجوار أو أذرعتها المسلّحة في المنطقة، والذي يعتبر الأميركيون أنّه يجب أن يكون بنداً أساسياً ضمن الاتفاق النووي.
بعدما بات التركيز في المفاوضات النووية مع طهران على المسألة النووية، أُحيل هذا البند إلى المفاوضات الإقليمية بين السعودية وإيران. لكن لا المفاوضات النووية في فيينا ولا المفاوضات الإقليمية والاتفاق السعودي – الإيراني في بكين، وصل أيّ منها إلى معالجة علاقة إيران بدول الجوار التي تمرّ عبر الميليشيات المسلّحة التابعة لها.
لسلاح «حزب الله» بُعدٌ آخر، نظراً إلى أنّه يشكّل تهديداً مباشراً لإسرائيل. لكن هذا البُعد تتعامل معه واشنطن ضمن الحدود مع إسرائيل وليس أبعد من ذلك، لذلك تعمل على ضبطه أو ردعه، كما يحصل الآن، بحسب مصادر ديبلوماسية، تبعاً للخطر الذي يشكّله سلاح «الحزب» على إسرائيل التي يرفض مستوطنوها العودة إلى المناطق الشمالية المتاخمة للحدود الجنوبية للبنان، من دون إيجاد ترتيبٍ ما، «يُبعد» هذا الخطر عنهم ضمن «مسافة» معيّنة.
داخلياً، السلاح لا «يؤرق» الخارج. وسبق أن قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رداً على سؤال، خلال زيارته بيروت إثر انفجار المرفأ في 4 آب 2020، إنّ «حزب الله» مُنتخب من الشعب اللبناني ومُمثّل في البرلمان. كذلك، تشير المصادر الديبلوماسية نفسها، إلى أنّ واشنطن لا تعتبر أنّ «حزب الله» يُسيطر على الدولة اللبنانية، بل يعرف الأميركيون النظام اللبناني جيداً القائم على «فيتوات» متبادلة بين جهات سياسية – طائفية أساسية، من بينها «الحزب». وهناك حدود لا يُسمح لـ»الحزب» بتخطيها أو السيطرة بنحوٍ كامل داخل المؤسسات، خصوصاً على المستوى المالي. وبالتالي طالما أنّ «اللعبة» الداخلية مضبوطة ضمن هذا النظام، لن يُصبح سلاح «الحزب» مطروحاً جدياً على الطاولة، كما يتمنّى كثير من اللبنانيين، بهدف بناء دولة من خلال نزع السلاح غير الشرعي أو تسليمه وحصر القوّة بيد القوى الشرعية.
سلاح «الحزب» مطروح الآن، ضمن حدود «إراحة» إسرائيل، وضمن أُطر القرار 1701، من دون أي «زيادة»، ويعرف الغرب أنّ الجيش اللبناني لا يُمكن أن ينفذه بالقوة، بل إنّ تطبيق أي مسألة كهذه «يمرّ» في «اتفاق» مع «الحزب»، بحسب المصادر إياها. ولو لم يقرّر «الحزب» فتح الجبهة الجنوبية مع إسرائيل «مساندةً» لقطاع غزة، لما أُعيد الحديث عن إبعاده إلى ما وراء الليطاني أو تطبيق الـ1701 حرفياً.
في انتظار ما قد يحمله الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، على هذا المستوى، وتبيان الـ»deal» المعروض وموقف «الحزب» منه، يرى البعض أنّ تطبيق الـ1701 من الجانبين، ما يعني انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة ووقف اعتداءاتها، مقابل انسحاب «الحزب» إلى شمال نهر الليطاني، قد يُعتبر «مكسباً» لـ»حزب الله» يستثمره داخلياً، بحجة أنّ «المقاومة» نجحت في تحرير بقية الأراضي المحتلّة وبردع إسرائيل. بالتوازي مع الطروحات الديبلوماسية، لا يزال المسؤولون الاسرائيليون يهدّدون بإبعاد «الحزب» إلى ما وراء الليطاني بالقوة.
المصادر الديبلوماسية إياها، تستبعد أن تسمح واشنطن لإسرائيل بالإقدام على هذه الخطوة، لأنّها تعني حرباً إقليمية. فأي استهداف جدّي لـ»حزب الله» وبنيته التحتية وترسانة الأسلحة التي يملكها، يعني دفع إيران إلى توسيع الجبهة، فبعد تحجيم قوة حركة «حماس» في فلسطين، لن تسكت طهران عن «إضعاف» حزب الله في لبنان، في وقتٍ أنّ الجبهة السورية هامدة ولا تشكّل تهديداً لإسرائيل وهناك تحالف دولي لوقف التهديد الحوثي للملاحة في البحر الأحمر. لكن المصادر نفسها، تشير إلى أنّ المعطيات الديبلوماسية المتقاطعة تشير إلى أنّ إسرائيل قد «تتقصّد» التشدُّد على الجبهة الشمالية، أي جنوب لبنان. إذ إنّ عدم عودة المستوطنين يعني تهديداً فعلياً لوجود «الدولة».
لذلك، يرى البعض أنّ «الحزب» يُعتبر الآن في الموقع الأقوى، إذ إنّه ليس «محشوراً»، فهو «التزم» التحذيرات أو النصائح الخارجية، بعدم توسيع رقعة الاشتباك أو خرق قواعدها. وهو، على رغم فتحه الجبهة الجنوبية في 8 تشرين الأول 2023، «دعماً» لغزة، إلّا أنّه «يلعب» ضمن المسموح، من دون تعريض لبنان كلّه للضربات الإسرائيلية ومن دون «استفزاز» واشنطن كرسالة واضحة من إيران. وبالتالي، سيكون في موقع جيّد في المفاوضات حول تطبيق الـ1701، وأياً تكن نتيجة هذه المفاوضات أو الحرب في غزة، لن يكون السلاح مطروحاً على الطاولة لـ»النزع»، بل أقصى ما يُراد من «الحزب» هو الابتعاد قليلاً لـ»طمأنة» إسرائيل. في المقابل، سيبقى لبنان، إلى أمد غير منظور، رهن هذا السلاح واستخداماته، بحسب المصادر نفسها.
أمّا أي طرح جدّي لنزع سلاح «الحزب»، فلن يكون منفصلاً أو جزئياً، بل ضمن علاقة إيران بدول الجوار من خلال ميليشياتها المسلّحة، خصوصاً بعد التهديدات التي لمسها الغرب في المنطقة، من «الحزب» والحوثيين.