IMLebanon

مسار الرئاسة: ميشال عون بألوان العلم اللبناني

2016 عام الاستحقاق.. و«فلتة الشوط»

مسار الرئاسة: ميشال عون بألوان العلم اللبناني

عون وصلاة الرئاسة

هو أطول مخاض لاستحقاق رئاسي في تاريخ لبنان. «لبننة» الاستحقاق الرئاسي تجاوزت هذه السنة، ما يسمى «الترياق» الخارجي او «الايحاءات» الخارجية أو «النصائح» الدولية، بدليل تكون جبهتين، أولى مؤيدة وثانية معارضة للعهد الجديد حتى قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية قوامهما قوى محلية وازنة.. وعابرة للطوائف، وهذا يدل على ان الاستحقاق الرئاسي ارتدى للمرة الأولى منذ الاستقلال الوان العلم اللبناني مع «مساهمات» خارجية يسميها البعض «نصائح» ويسميها البعض الآخر «تمنيات».

إذا اخذنا مرحلة ما بعد الطائف كمعيار، فهو أول انتخاب نسبة اللبنانية فيه اكبر بكثير من نسبة اي بعد آخر، ذلك ان الرئيس الشهيد رينيه معوض جاء نتيجة اتفاق الطائف ومعادلاته الاقليمية والدولية، والرئيس الراحل الياس الهراوي جاء نتيجة تفاهم مكونات الطائف مع سوريا، والرئيس العماد اميل لحود جاء نتيجة تفاهم سوري ـ اميركي مع الجهات المؤثرة، والرئيس العماد ميشال سليمان جاء وليد اتفاق الدوحة.

مسار الاستحقاق

في الشكل، تمت دعوة النواب 46 مرة الى جلسات انتخاب رئيس جمهورية، فاكتمل النصاب في الجلستين الاولى والاخيرة.

في الجلسة الاولى، حصل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على 48 صوتا و52 ورقة بيضاء و16 صوتا للنائب هنري حلو وصوت واحد للرئيس امين الجميل و7 اوراق ملغاة، ومنذ تحديد موعد الجلسة الثانية، لم يكتمل النصاب لانعقاد جلسة الانتخاب، اي ثلثي اعضاء المجلس النيابي، فيما استمر رئيس مجلس النواب نبيه بري في الدعوة الى جلسات الانتخاب بوتيرة متوازنة وهي جلسة كل ثلاثة اسابيع، وكانت كل جلسة تنتهي بالبيان التقليدي الذي يتضمن عدم اكتمال النصاب وتحديد موعد مقبل لجلسة الانتخاب.

ومع عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان، ارتفع عدد النواب الحاضرين الى مجلس النواب ووصل في احداها الى 73 نائبا، والميزة البارزة ان «القوات اللبنانية» عندما كان جعجع مرشحا شارك نوابها في الجلسات، وحافظوا على المشاركة بعدما جيّر جعجع ترشيحه للعماد عون، ولم تغب «كتلة التنمية والتحرير» التي يترأسها بري عن الجلسات، وكذلك واظبت «كتلة المستقبل» على الحضور فيما شاركت كتل نيابية من 8 و14 اذار بشكل متقطع في الجلسات، واللافت للانتباه ان كتلة النائب سليمان فرنجية كانت تشارك في الجلسات قبل ترشيح رئيسها (زعيم «المردة») وامتنعت عن المشاركة بعد ترشيحه انسجاما مع التعهد الذي قطعه فرنجية للسيد حسن نصرالله، فيما لم تشارك كتلتا «التغيير والاصلاح» و «الوفاء للمقاومة» في الجلسات منذ رفع الجلسة الاولى المكتملة النصاب، الى ان شاركتا في جلسة 31 تشرين الاول التي انتهت بانتخاب عون.

جلجلة الاستحقاق

اما درب الجلجلة التي سارها الاستحقاق الرئاسي على صعيد المبادرات الداخلية والخارجية، فقد شهد تزخيما احيانا وفتورا في أغلب الاحيان، تدرّج حسب الآتي:

– في البداية، كنا امام ثلاثة مرشحين، مرشحان معلنان هما جعجع الذي انتخبه نواب «14 اذار» من دون تبنيه، وهنري حلو الذي انتخبه نواب «اللقاء الديموقراطي» وبعض الاصدقاء، وثالث غير معلن هو ميشال عون الذي لم يعلن ترشيحه رسميا لكنه كان مرشحا واقعيا واستمر على هذه الحال حتى انتخابه.

– انسحاب جعجع لمصلحة عون في احتفال معراب.

– لقاء الحريري وفرنجية في باريس وتبلور مبادرة ترشيح فرنجية كمرشح تسوية، التي ادخلت الاستحقاق الرئاسي في مسار مختلف.

– اعلان النائب وليد جنبلاط تأييد فرنجية العلني واستضافته الى مائدة العشاء، ثم عودته الى طرح مرشحه هنري حلو وكأنه مستمر في هذا الخيار، بعدما تبين له انسداد الآفاق أمام الزعيم الماروني الشمالي ولحسابات متصلة بالصوت المســيحي في جبل لبنان.

– تموضع القوى السياسية في خيارات رئاسية مختلفة في مقابل ثبات «حزب الله» على موقفه الداعم لترشيح عون، بدليل ان «القوات اللبنانية» انتقلت من تأييد مرشحها الى تأييد عون، «حزب الكتائب» انتقل من تأييد مرشح 14 اذار غير المعلن اي جعجع الى اللاأحد، «المردة» انتقل من تأييد عون الى تأييد مرشحه سليمان فرنجية، الرئيس بري انتقل من اللاموقف تجاه عون الى تأييد فرنجية، «تيار المستقبل» انتقل من تأييد جعجع الى تأييد فرنجية وأخيرا عون، ضياع المستقلين بين نوعين: نوع مرتبط بـ 14 اذار وكان مع جعجع ثم صار مع فرنجية، ونوع قريب من 8 اذار راح ينقّل فؤاده بين عون وفرنجية، نواب الارمن في كتلة المستقبل مع فرنجية ونواب الارمن في تكتل الاصلاح والتغيير مع عون… من دون إغفال ضياع باقي الكتل الصغيرة.

– الاهتمام الدولي تطور باستمرار لكنه لم يتعدّ التمنيات، ولم تحصل مبادرات فعلية باستثناء اتصال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بفرنجية بعيد اجتماع باريس الشهير بين الحريري وفرنجية في 18 تشرين الثاني 2015 الذي خلص الى تأييد «المستقبل» لفرنجية.

– انتقال الحريري من تأييد ترشيح فرنجية الى تأييد ترشيح عون الامر الذي وضع الاستحقاق الرئاسي في مسار الانضاج السريع الامر الذي أمّن إجماعا وطنيا وميثاقيا للترشيح، وادى الى انهاء الشغور في 31 ت1 2016.

تحركات خارجية اساسية

منذ 25 أيار 2014 تاريخ بدء الشغور الرئاسي، برزت سلسلة تحركات دولية على خط الاستحقاق الرئاسي، أبرزها المبادرة الفرنسية التي كان لها حضور وزخم اكثر من غيرها، من خلال الموفدين الذين نشطوا بقوة على خط طهران والرياض، وابرزهم الموفد جان فرنسوا جيرو الذي كان مديرا لشؤون الشرق الاوسط قبل ان يصبح سفيرا وتولى البحث في الملف الرئاسي اللبناني مع الجانبين الايراني والسعودي، وانتهت وساطته بلا أي نتيجة بسبب الاشتباك الاقليمي. وتكرر المسعى الفرنسي في خلال لقاءات هولاند المباشرة التي اجراها مع زعماء لبنانيين، لكن لم يرتق التحرك الفرنسي الى مستوى المبادرة الكاملة، حتى في لقاءات القيادة الفرنسية مع القيادة الايرانية طغى الهم الاقتصادي والمصالح المشتركة بين البلدين على الملف الرئاسي اللبناني.

وبرزت تحركات اميركية في زمن السفير ديفيد هيل الذي حاول انتاج مبادرة عبر الاستماع وطرح الافكار، لكنها تقلصت وتراجعت منذ ان غادر هيل مهامه في لبنان وانتقل الى باكستان سفيرا لبلاده، وتولى السفير ريتشارد جونز مهام القائم بالاعمال، واستمر هذا التراجع ودعم الجيش والمؤسسات الامنية مع السفيرة اليزابيت ريتشارد حيث غلّب الاميركيون الاهتمام بالشق المتعلق بالاستقرار الامني ودعم الجيش والاقتصاد والنقد الوطني عبر مصرف لبنان على ما عداه من هموم اخرى، وتراجع الاستحقاق الرئاسي في سلم الاهتمامات الاميركية، مع تصاعد الحرب الدولية على الارهاب.

وكان لافتا للانتباه أن التحرك الفاتيكاني اتخذ بعدا استطلاعيا اكثر منه عمليا، اي إنه لم يتضمن طرح او فرض او تبادل أسماء مع تغليب النصيحة والدعوة والتمني بانجاز الاستحقاق الرئاسي والتمسك بصيغة لبنان الفريدة.

وحضر الاستحقاق في النداءات والبيانات المتكررة التي وجهها أو اصدرها مجلس الامن الدولي في مناسبات عديدة خصوصا عند مناقشة التقارير حول تنفيذ قرارات دولية متعلقة بلبنان والمقرونة بتحرك مستمر لمنسقة الامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ بين عواصم إقليمية ودولية، وايضا ما صدر من مواقف وبيانات عن مجموعة الدعم الدولية للبنان والتي ظلت من دون أي صدى لبناني.

.. وتحركات داخلية

على الصعيد الداخلي، كان الابرز انعقاد جلسات الحوار الوطني التي حددت مواصفات لرئيس الجمهورية العتيد، من دون ان يعني ذلك ايحاءً مباشرا او مستترا لاي اسم، وهذا هو التطور الايجابي الوحيد، وابرز هذه المواصفات ان يكون رئيس الجمهورية المنتظر يمثل شعبيا ولا يحتاج انتخابه الى تعديل الدستور وله صدقية داخلية واحترام عربي ودولي، من دون إغفال الدور الذي قامت به بكركي من جمع الأقطاب الموارنة الأربعة إلى النداءات المستمرة وعقد لقاءات داخلية وخارجية، ساهمت في فتح أبواب بعبدا أمام العماد عون.

الشوط الاخير

شهدت نهاية عام 2015 وبداية عام 2016 بداية الشوط الاخير في مسار الاستحقاق الرئاسي، فكان المسار الاتي:

– ترشيح الحريري لسليمان فرنجية، من خلال ما حصل في باريس عبر لقاءات عقدت بين النائب السابق غطاس خوري ونادر الحريري وجيلبير شاغوري، وانتهت بتفاهم على ان يكون فرنجية هو المرشح، وجوبهت هذه المبادرة برفض عون واستمرار تمسك «حزب الله» بترشيح عون حيث اطلق السيد حسن نصرالله عبارته الشهيرة «عون عين وفرنجية نور العين». بعد ذلك دخل الجانب الفرنسي على الخط بمحاولة لاقناع الايرانيين والسعوديين بالتفاهم على تسهيل عملية الانتخاب بتعاطف نحو فرنجية، لكن لم يكتب لهذه المحاولة النجاح، لان الايرانيين احالوا الفرنسيين بعد ثلاث زيارات قام بها جان فرنسوا جيرو إلى طهران على قيادة «حزب الله» في بيروت، والسعوديين لم يكونوا مهيئين للبحث في هذا الملف بسبب انشغالهم في حرب اليمن.

– بعدها جرى العمل على مبادرة ظلت سرية وعرفت بـ «الخيار الثالث» ولكن بنتيجة اصرار الايرانيين على ابقاء الملف كليا بيد «حزب الله» واستمرار السعوديين على موقفهم التقليدي وعدم تجاوب الداخل مع هذا الخيار، استمرت هذه المبادرة تترنح الى ان جمدت طبيعيا، وكان ابرز الخيارات المرشحة لهذه المبادرة كل من العماد جان قهوجي، الوزير السابق جان عبيد، سفير لبنان لدى حاضرة الفاتيكان جورج خوري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

– 45 جلسة نيابية كان لا بد بعدها من محاولة قال عنها الحريري انها «تهدف لاخراج البلد من الجمود». هذه المحاولة اخذت وقتها وكان قطباها نادر الحريري من جهة وجبران باسيل من جهة ثانية، وتوصلا الى صيغ معينة تزامنت مع ظروف مرّ بها الرئيس الحريري وتحدث عنها بصراحة مطلقة في كلمته التي تبنى فيها ترشيح عون.

بعد اعلان الحريري ترشيح عون انطلق الخارج من معطيات هي:

1- السعودية لم ترغب بالتدخل لا مع ولا ضد.

2- ايران وسوريا وضعتا الملف بعهدة «حزب الله».

3- روسيا رأت ان المهم التوصل الى انتخاب رئيس.

4- الولايات المتحدة الاميركية انشغلت بانتخاباتها الرئاسية وأكدت عدم ممانعتها لأي خيار يتوافق عليه اللبنانيون.

5- فرنسا وتحت تأثير الفاتيكان بضرورة انتخاب رئيس الجمهورية مهما كان الظرف، أرادت اعطاء فرصة واسعة لهذا الخيار المتجدد.

عند هذا الحد، جاءت الخاتمة التي انتظرها اللبنانيون وكانت ثمرة تضافر إرادات لبنانية بتشجيع دولي ـ إقليمي على انهاء الشغور الرئاسي بانتخاب عون رئيسا للجمهورية وعودة سعد الحريري إلى السرايا الكبيرة.