IMLebanon

كلام البطريرك وتراكم النقمة

 

هل يتنبه القيمون على أمور الدولة في لبنان إلى دلالات الارتفاع التدريجي للهجة مراجع روحية مثل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان؟

 

في الموقفين اللذين صدرا عن المرجعيتين، البطريرك في عظة الأحد، والمجلس الشرعي أمس، عبارات هي أقرب إلى التناغم، منها مطالبة الراعي بـ”تثبيت استقلال لبنان وسيادته ووحدته وتطبيق القرارات الدولية وتحييده عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية”. يلاقيه المجلس الشرعي بحديثه عن “حجم الكارثة التي أصيبت بها البلاد” وأنها “تخطت الشأن المالي والاقتصادي والسياسي، بل أصبحت مسألة مستقبل ومصير”.

 

والفارق بين العبارات التي استخدمها كل من المرجعيتين، أن البطريرك الراعي وجه “نداء” إلى رئيس الجمهورية فناشده “العمل على فك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر”، وطلب من “الدول الصديقة الإسراع إلى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرض لخطر”. أما المجلس الشرعي فسأل “إذا كانت السلطة لا تزال قادرة على الاستمرار في تحمل مسؤولياتها، في وقت تؤكد الوقائع فقدانها لأبسط مقومات وجودها”.

 

يشبّه البعض هذين الموقفين، بنداء مجلس المطارنة الموارنة في العام 2000، الذي دعا إلى انسحاب القوات السورية من لبنان، بعد الانتخابات النيابية في تلك السنة، والذي أطلق مساراً للأحداث السياسية الداخلية، تطورت وتراكمت، وارتكزت إليها القوى الدولية وصولاً إلى حصول هذا الانسحاب في 26 نيسان العام 2005. لا مجال لسرد المخاض الذي يفصل زمنياً بين إطلاق نداء المطارنة وذلك التاريخ، والذي يشمل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد صدور القرار الدولي الرقم 1559 الذي يُطرح اليوم.

 

البعض الآخر يعتقد أن الفارق كبير بين العام 2000 وبين 2020. فإذا كان احتلال قوة خارجية هي سوريا للأرض والقرار اللبنانيين، واضحاً في حينها، مع كل الممارسات التي راكمت النقمة على الإذلال الذي مارسته مخابراته، فإن الشكوى اليوم مختلفة. فالفريق الذي توجه البطريركية كلامها إليه، بالحديث عن الحياد وتنفيذ القرارات الدولية، أي “حزب الله”، هو فريق لبناني وازن، حتى لو كان يستند إلى قوة إقليمية يصادر القرار السيادي لمصلحة معاركها الدولية والإقليمية بقوة السلاح، وبتغيير قواعد علاقات لبنان الخارجية. لكن في الحالتين يدفع اللبنانيون الثمن.

 

ليس من السهل التنبؤ بما تخبئه الأحداث المقبلة للبلد، في ظل المآسي التي يتعرض لها معيشياً وحياتياً وفي الانحدار الذي يغيّر مشهده السياسي. ويصعب توقع ما ستفضي إليه وقائع الصراع الإقليمي الدولي حول لبنان، على رغم التكهنات التي تراوح بين القلق من الحرب لفتح كوة في التفاوض، وبين التقديرات المطمئنة بأن لا مواجهة عسكرية كبرى، بل حوادث أمنية كبرى على امتداد الإقليم. وفي الحالتين يخضع اللبنانيون لمنطق وضعهم في عين العاصفة رغماً عنهم.

 

المؤكد أن تراكم النقمة على الصعيدين الشعبي والسياسي، وتفاقم الأزمة المعيشية التي ستطول وتتكاثر انعكاساتها السلبية على السواد الأعظم من اللبنانيين، ستؤدي إلى تضييق رقعة القوى السياسية والطائفية التي تستند إليها التركيبة الحاكمة المفروضة بالقوة القاهرة لـ”حزب الله”، مثلما ضاقت القاعدة السياسية التي كان يستند إليها القرار السوري في ممارسة دوره بالقوة القاهرة في صلب القرار اللبناني. والمؤكد أيضاً أن أمام لبنان سنوات عجاف.