IMLebanon

البطريرك إلى السعودية: قطعة جديدة ليكتمل المشهد

 

لم يأتِ الإعلان عن نية البطريرك بشارة الراعي زيارة المملكة العربية السعودية في الأسابيع المقبلة مفاجئاً. فالدعوة التي تلقّاها الراعي، أول من أمس، من القائم بالأعمال السعودي وليد بخاري، هي حصيلة اتصالات بين الصرح البطريركي والسعوديين لأعوامٍ خلت، وارتفعت وتيرتها في الأشهر الماضية، على خلفيّة «الرؤية» الجديدة التي تريد المملكة إظهارها عن «انفتاحها» الجديد، أو دورها المُحَدَّث في المنطقة.

 

وإن كانت زيارات الراعي السابقة، من سوريا إلى كردستان العراق، وحتى إلى فلسطين المحتلّة، يمكن إدراجها في خانة الزيارات «الرعويّة»، إلّا أن زيارة السعودية، في هذا المفصل التاريخي من عمر المملكة ولبنان والمنطقة، لا يمكن وضعها إلّا في سياق زيارة سياسية ذات أبعاد بالغة الأهميّة.

هي الزيارة الأولى لبطريرك ماروني للمملكة، على رغم العلاقات التاريخية الوثيقة التي تربط الرياض بالصرح البطريركي. منذ ما قبل الاستقلال اللبناني، كانت خطوط الاتصال مفتوحة بين الكنيسة المارونية وحكّام المملكة الناشئة حديثاً. ويُعد الاستقبال الكبير الذي رُتِّبَ للملك سعود بن عبد العزيز في بكركي عام 1953 من قبل البطريرك عريضة، إشارةً إلى عمقِ هذه العلاقة، التي لم تتأثر يوماً بالانقسام السياسي اللبناني والنزاع السني ــ الماروني على مكتسبات الحكم. وفيما كانت جبهات القتال مستعرةً بين الميليشيات المسيحية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها في بيروت والمتن، كانت بكركي والسعودية على علاقة ممتازة دائماً، تُوّجت لاحقاً في الانفتاح السعودي على بشير الجميّل، ومن بعده على قائد ميليشيا القوات اللبنانية آنذاك سمير جعجع، في عام 1986.

حتى إن الرئيس الراحل رفيق الحريري، كان صديقاً دائماً لبكركي من خلفيّته السعودية، وأطلَع البطريرك نصرالله صفير بشكلٍ متواصل على مجريات المفاوضات في اتفاق الطائف من السعوديين أنفسهم، وصولاً إلى التحالف شبه العلني بين صفير والسعوديين في دعم قرنة شهوان، والعمل معاً على إخراج سوريا من لبنان، مع انهيار التفاهم السوري ــ السعودي قبيل اغتيال الحريري.

ليس أمراً عابراً، أن يزور الراعي السعودية وصليبه معلّقٌ على صدره. هي الصورة المحدّثة التي تريد السعودية إظهارها للعالم مع خطّة ولي العهد محمد بن سلمان والتحوّلات التي تعصف بالمملكة من ضرب لـ«هيئة الأمر بالمعروف» واستبدالها بـ«هيئة الترفيه»، حتى «نيوم»، أو السعودية بنسختها الجديدة. زيارة الراعي تسمح للسعوديين بالقول «بإمكاننا أن نحتمل صلبان المسيحيين في مدننا، بعدما اجتثثنا الوجود المسيحي التاريخي خلال ثلاثة قرون خلت». ومصلحة السعودية أيضاً لا تقتصر على صورتها، إنّما على محاولتها إظهار تأثيرها على الموارنة اللبنانيين، من جعجع إلى النائب سامي الجميّل، إلى الرئيس ميشال سليمان، بعدما فشل السعوديون في إبعاد الرئيس ميشال عون عن حزب الله، وخصوصاً في ظلّ الحرب التي تعلنها المملكة ضدّ حزب الله، بالتكافل والتضامن مع إسرائيل. وليس بإمكان جعجع أو الجميّل، طالما أن عون في مقلب آخر، القيام بالمهمات السعودية في لبنان، إذا لم يكن غطاء بكركي موجوداً، على رغم أن الفاعلين في الصرح البطريركي يرفضون وضع الزيارة في سياقها اللبناني الضّيق، أو كجزءٍ من حملة الدعوات التي توزّعها المملكة على اللبنانيين من حلفائها، وحتى حلفاء غيرها. كذلك، يمكن القول إن السعودية، باستقبالها الراعي كمرجعية دينية كاثوليكية عربية على هذا المستوى، تعلن عدم ممانعتها أن يكون لبنان الملاذ الآمن للمسيحيين المشرقيين، في لعبة الصّراع على حماية الأقليات في المنطقة، بعد عقودٍ من دعم التنظيمات الإرهابية التي تستهدف المسيحيين وغيرهم من الأقليات، من أفغانستان إلى مصر.

أمرٌ آخر جدير بالذكر، وهو ما بدأ يروّج له «المُتَسَعْوِدون» في لبنان، عن أن التسوية في المنطقة، أو «السلام» العربي ــ الإسرائيلي لا يكتمل من دون المسيحيين، أو من دون أن يشكّل المسيحيون فيه «جسر العبور»، بعدما قطع السعوديون أشواطاً في العلاقات مع إسرائيل والتحالف العلني ضد سوريا وإيران والمقاومة. فهل تستغل السعودية زيارة الراعي لإكمال المشهد؟ أم أن بكركي تدرك تماماً خطورة التحوّلات، فلا تترك هامشاً للانحياز مع محور ضد آخر؟