العقوبات الأميركية جدية ومدار بحث وإنضاج بين وزارتيّ الخارجية والخزانة
تخطو قوى المعارضة والتيار الوطني الحر بثبات نحو تبنّي ودعم ترشيح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أزعور، رغم الحملات المفتوحة التي يشنّها الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، بذريعة أن أزعور هو من لدن المنظومة، متناسين، وتحديدا «أمل» أنها الأب المؤسس لمنظومة التسعينات بامتداداتها وآثامها والبؤس الذي بلغه اللبنانيون بفضلها.
وكانت الساعات الأخيرة قد شهدت تزخيما في المشاورات بين القوى المعارضة، وبينها وبين التيار الوطني الحر، بحثا عن الطريقة الأنسب لإعلان دعم ترشيح أزعور.
في هذا المجال، أكدت مصادر معنية أن الاجتماع الأخير لتكتل لبنان القوي انتهى الى تأييد المسار التفاوضي الذي يقوده النائب جبران باسيل مع المعارضة من أجل الاتفاق على مرشح رئاسي. ويحرص باسيل على إبقاء ورقة إعلان التأييد للتوقيت الذي يراه مناسبا.
وبيّن التواصل بين مكونات المعارضة وبينها وبين التيار الوطني الحر، أن ثمة تفضيلا لصدور بيانات منفصلة تؤيد أزعور لا بيانا مشتركا، لمنح مكونات الفريق الداعم هامش التحرك اللازم الذي يتطلبه إعلان التأييد، كما لإعطاء الفرصة كاملة للمبادرة الحوارية التي يعتزم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إطلاقها في الأيام القليلة المقبلة، تتويجا للمشاورات التي أجراها في كل من الفاتيكان وفرنسا.
وينوي الراعي، على ما فُهم، تكليف وفود بالتجوال على مختلف القوى المتنافسة رئاسيا، في مسعى لإيجاد مساحات مشتركة تخرج الإستحقاق الرئاسي من الإنقسام الحاصل بين فريقين رئيسيين، وتؤسّس للخروج من هذا الإصطفاف بحثا عن مرشح رئاسي توافقي غير صدامي يحظى بأعلى نسبة ممكنة من الوفاق الوطني على اسمه.
ولا شكّ أنه مع الاصطفاف الحاصل وإقفال أي فرصة رئاسية سانحة، صار الأفرقاء، لا سيما الفريق الداعم لفرنجية، يبحثون عمّا ينزلهم عن الشجرة. وليس أفضل سبيل الى ذلك من المبادرة الحوارية البطريركية المعززة باحتضان فاتيكاني ودعم فرنسي. لذا هي باتت تشكّل فرصة أخيرة للثنائي على وجه التحديد من أجل الخروج من الإطار الضيق الذي وجد نفسه محشورا فيه.
ويتقاطع الجهد البطريركي مع توجّه لدى التيار وجهات في المعارضة الى التوافق على اسمين لا اسم واحد، باعتبار أن من شأن هذا التطور في حال نجاحه، التخفيف من ريبة الثنائي الشيعي من جهة، ومنح فرص التوافق مجالا أكبر، بحيث يعدّ ذلك بمثابة الإخراج الذي يحفظ لكل الأفرقاء ماء الوجه، ويضاعف فرص الخروج من الاستعصاء الرئاسي الحاصل.
لا شك أن هذا التقاطع بين البطريركية والتيار والمعارضة، لم ينزل بردا وسلاما على الفريق الداعم لفرنجية، انطلاقا من أنه يؤشر بوضوح الى أن بكركي لا تحبّذ أي سلوك ينطوي على التحدي والمكابرة وعلى مصادرة رأي المسيحيين، وهو ما يؤخذ على الثنائي الذي أسهم الصدام الذي انطوى عليه أداؤه السياسي والإعلامي في الأيام القليلة الفائتة في تعزيز هذا الإنطباع.
وكانت مسألة احترام الموقف المسيحي من الاستحقاق الرئاسي وعدم تخطّيه جزءا رئيسا من المحادثات التي أجراها الراعي مع أمين سر الحاضرة الفاتيكانية (رئيس الحكومة) الكاردينال بيترو بارولين.
باريس تستعد لإستدارة نهائية في التسوية مع قناعة بانتهاء الصلاحية الزمنية
ولم يعد خافيا أن باريس تستعد لاستدارة نهائية في التسوية التي بحثت كثيرة بلا جدوى عن مآلات نجاحها، وهي باتت على قناعة بانتهاء صلاحيتها الزمانية. أما واشنطن فتمهّد لدخولها التدريجي الفاعل الى الإستحقاق الرئاسي، عبر عصا التهديدات التي حملتها أخيرا مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، وهي المسؤولة الرئيسة عن الملف اللبناني. والتهديد بالعقوبات جدّي، ويجري التداول فيه بين وزارتي الخارجية والخزانة. كما أن اللائحة بات شبه منجزة، وهي تشمل قادة ونواب من مختلف الإتجاهات، ممن تعتبر الإدارة الأميركية أنهم يسهمون في إقفال آفاق الإنتخاب الرئاسي.
أما التهديد الأوروبي بالعقوبات فلا يزال غير واضح المآل بعد، بالنظر الى أنه مسار يتطلب وقتا وجهدا وتوافقا ذات مدى واسع وفضفاض ليس من السهولة تحقيقه على مستوى الإتحاد.
ويُعتقد على نطاق واسع أن التهديد الأميركي بالعقوبات أسهم في تليين مواقف أفرقاء، على أن يكون الحكم في النهاية على التصرفات والأفعال لا على التصاريح والكلام المعسول.