IMLebanon

أهالي «عين دارة» لمجلس الشورى: تراخيص الأخوين فتوش غير قانونيّة

يستمرّ أهالي عين دارة في مواجهة مشروع معامل الإسمنت المزمع إنشاؤها في بلدتهم. أمس قدّم تسعة منهم، بينهم رئيس وأعضاء في المجلس البلدي، مراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال ووقف تنفيذ وتقصير مهل «ترخيص إنشاء صناعات فئة أولى»، أعطته وزارة الصناعة بموجب القرار رقم 5297/ت في 8/11/2015 لشركة «بيار وموسى فتوش ش.م.ل.».

الترخيص الممنوح يسمح بـ»إنشاء مصانع ومطاحن صناعيّة وتجاريّة بكامل تجهيزاتها ومختبراتها وآلياتها الثابتة والمتحرّكة لتصنيع المواد الأوليّة المستخرجة من مقالع وكسارات، أو المستوردة أو المشتراة من الداخل، واستعمالها في صناعة الإسمنت، مع ما تستلزمه من إنشاء معامل وأفران ومطاحن ومعدات وآليات لتكسير وجرش المواد الأوليّة، واستقدام شاحنات واستحداث خطوط لنقل المواد الأولية، وإنشاء محطات كهربائية مستقلة لتوليد الكهرباء، وذلك على خمسين عقاراً في منطقة عين دارة».

إذاً يتعدّى المشروع كونه مجرّد معمل إسمنت، إلى تجمّع صناعي ضخم على مساحة شاسعة من عين دارة (أكّد بيار فتوش في مقابلة تلفزيونيّة أنها تصل إلى 3 ملايين متر مربّع)، يتضمّن فرناً وكسارات وجبّالات ومطاحن، ما يجعله ترخيصاً مفتوحاً على شتى صناعات الإسمنت، مع ما تسبّبه من أضرار صحيّة وبيئيّة تخرج عن صلاحية وزارة الصناعة.

ارتكز وزير الصناعة حسين الحاج حسن لإعطاء الترخيص، على قرار صادر عن وزارة البيئة رقم 3442/ب في 19/8/2015، يتضمّن الموافقة على إصدار الترخيص ودراسة الأثر البيئي، التي أعدّتها شركة «جيوفلنت»، وتفيد بعدم وجود أي أضرار بيئيّة قد تنتج من المؤسسات المنوي إنشاؤها. إلّا أن الطعن المقدّم يستند إلى مخالفات قانونيّة لمسار الترخيص، إذ تجاوزت وزارة الصناعة حدّ السلطة، وخرق وزيرها القوانين في إعطاء ترخيص إنشاء معمل الإسمنت.

أولاً، بحسب المراجعة القانونيّة، اعتمد القرار على رأي لجنة التراخيص في محافظة جبل لبنان المعنية بحقّ الترخيص الممنوح للمحافظ، خلافاً للقوانين المرعية، لكون تراخيص المؤسسات الصناعيّة المجاز منحها من وزارة الصناعة تُبنى على قرارات لجنة التراخيص في الوزارة. ثانياً، أتاح استحداث مقالع وكسارات إضافيّة، دون موافقة المجلس الوطني للمقالع والكسارات، باعتباره صاحب الصلاحية عملاً بمرسوم تنظيم المقالع والكسّارات رقم 8803/2002 الذي ألغى المرسوم 5616/94 الذي استندت إليه وزارة الصناعة، ثالثاً، الترخيص للقيام بأعمال لا تندرج ضمن اختصاصها (كنقل واستيراد وتصدير المواد الأولية والنفطيّة) في مخالفة لأحكام القرار 186/أ الذي يمنع وزارة الصناعة منح تراخيص إنشاء أنواع من النشاطات لا تدخل ضمن صلاحياتها. رابعاً عدم التزام شرط «استطلاع رأي المحيط» الملزم قانوناً، إذ جرى التغاضي عن «استطلاع رأي» البلدات المجاورة، أو طلب استشارات الوزارات المعنية مثل وزارة الطاقة لوجود الموقع على كتف أربعة أحواض أنهر (بيروت والليطاني والباروك والدامور)، ووزارة الصحّة نظراً إلى الأمراض السرطانيّة والتنفسيّة التي تسبّبها المعامل. خامساً، لكون شركة الأخوين فتوش، خالفت سابقاً شروط الترخيص لناحية إعادة تأهيل الكسّارات بعد استخراج الرمول منها، وتمدّدها عمودياً وأفقياً، وهو ما يجعلها غير مؤهلة قانوناً للحصول على تراخيص أخرى. سادساً، استناد وزارة الصناعة إلى دراسة الأثر البيئي التي اقتصرت على آثار فرن الإسمنت حصراً دون أن تشمل المنشآت الأخرى، فيما المشروع المزمع إنشاؤه يدلّ على عمليات إنتاج واسعة، ومتغافلة وقوعه في حرم محمية أرز الشوف وخضوعه لقوانينها.

في المقابل، استندت المراجعة إلى دراسة بيئية للآثار المترتبة عن «المشروع الإسمنتي الأكبر في الشرق الأوسط»، باعتبار أن معامل الإسمنت عموماً تُسهم بـ5% من غازات الاحتباس الحراري عالمياً. أمّا في المعمل المذكور، فيحصل التلوّث على مراحل، بدءاً من عمليّة الإنتاج المقدّرة بنحو مليوني متر مكعّب سنوياً، ينتج منها 300 ألف طن سنوياً، وصولاً إلى توزيعها عبر 200 ألف شاحنة تحمل كلّ منها 30 طن سنوياً، أي بمعدّل 650 شاحنة ستخرج من المعمل يومياً إلى مراكز التوزيع. وبما أنه يقع على ارتفاع 1500 متر وفي وسط لبنان، سيحدث «مظلّة تلوّث» بقطر 30 كيلومتراً (تصل إلى بيروت غرباً وسورياً شرقاً)، تؤثّر بنحو 3 ملايين نسمة (نصف سكّان لبنان).

وبحسب الدراسة نفسها (شارك فيها مجموعة من الخبراء البيئيين)، إن إلزامية تركيب فلاتر للمعمل، لا تكفي ولا تحدّ من انبعاث الغازات السامّة (ثاني أوكسيد الكبريت من أخطرها) التي تتحوّل إلى أمطار حمضيّة مضرّة بالكائنات الحيّة والمياه الجوفيّة، أو تفشي الغبار غير المرئي المسرطن الذي يستغرق، منذ لحظة انبعاثه، عشر ساعات للوصول إلى صنابير المياه، ليشير نهاية إلى أن المنطقة دمّرت بيئياً بسبب الكسّارات، وباتت هشّة وغير قادرة على لعب دور الفلتر الطبيعي.