(هذا النص مستعاد، لكنه يبقى صالحاً كرسالة سريعة الى ايمانويل ماكرون).
لا تغيّر الحرائق الكبيرة إلاّ الشكل. المضمون يبقى على ما هو عليه. تحترق الغابة لكن الأرض تبقى في مكانها تدور في مستقر لها ويرثها ربّ الدنيا. ومثلها تماماً الحقيقة الخالصة، تبقى كالذهب يُطمر تحت التراب وتلوّنه حكايات وأساطير ومواقف وبنايات هلوسيّة كبيرة ومؤثرة، لكنه لا يتغيّر ولا يتفتّت ولا يذوي ولا يصدأ.
والحقيقة التامة والخالدة تقول، إن ما يجري في سوريا هو في أصله وفصله وأوله وآخره وأسفله وأعلاه، ثورة شعبية تامّة ضد نظام أمعن في القتل والتدمير، وشكّل بدأب ناري لا يُقارن، مقومات نكبة عزّ نظيرها في التاريخ الحديث للعالم العربي.
ليست حرب سوريا صراعاً بين حكم سويّ وعصابات مسلحة، أو جماعات إرهابية تهوى القتل للقتل. ولا يمكن اختصار المشهد بتلك الحالة الطارئة.. الطارئ لا يستبدل الأصيل والدائم. والعابر لا يستبدل المقيم. «الدائم» و«المقيم» هو أن نظاماً أمنياً فئوياً مافيوزياً بطّاشاً، قبض على سوريا وأهلها منذ نحو نصف قرن. وأقفل كل الأبواب والشبابيك دون أي نسمة هواء، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية أو ثقافية أو فنية. وشيّد على أنقاض تلك البنى وحطامها، أشكالاً سلطوية لم يعُد لها مثيل في أي نقطة جغرافية في هذا العالم.. هذا النظام لم تهزّه جماعات وشراذم مسلحة متنوعة ومتفرقة، بل هزّته حركة جماهيرية واسعة وعامة وأكيدة ظلّت على مدى شهور تواجه الرصاص بالصوت. والقنابل بالحداء والأهازيج. وبراميل البارود بالشعارات الضاجّة بهوية سلمية مدنية واضحة.
إختصار كل الحراك السوري بتلك الجماعات الإرهابية فيه افتراء إجرامي يكمل إفتراء آلة السلطة المسلحة والفتّاكة. وفيه ظلم لا يليق بعقول سياسية كبيرة… وفيه قبل ذلك وبعده إهانة لضحايا الشعب السوري الذي يُراد لنا أن نصدّق أنّه في مجمله مخطئ في حركته وثورته وتطلّعه للعيش مثل سائر شعوب الأرض.. أو أنه في مجمله، يقاتل ديكتاتورية حزبية عائلية فئوية كي يستبدلها بديكتاتورية ظلامية إرهابية تكفيرية!!
ظُلِم ويُظلَم شعب سوريا مباشرة وبالواسطة مرّتين.. مرّة لأنه يُقتل ويُنكّل به بهذه الطريقة الوحشية الهمجيّة عقاباً له على رفضه الاستمرار في الخضوع والخنوع. ومرة ثانية لأنه يجد من ينظّر لذلك، ويشرعنه ويدعمه ويُشارك فيه تحت ستار شعارات وعناوين مهيبة ونبيلة وعزيزة..