Site icon IMLebanon

الشعب يريد… إسقاط الطوائف

 

تميّزت الذكرى الخامسة والسبعين لاستقلال لبنان في الرغبة العارمة لدى غالبية اللبنانيين في التعبير عن سخطهم وتنكّرهم لكافة مكونات السّلطة والمتمثلة بأمراء العجز الطائفي، وذهب الكثيرون منهم الى أشكال مختلفة من العدمية والاستهزاء بالوطن والدولة والكيان، من دون التمييز بين حقبة وأخرى، واعتبروا انّ تاريخ لبنان قائم على الوهم والجنون والادعاء، وتدمير هيبة الدولة والوطن بالاصطفافات امام السفارات العربية والاقليمية والدولية، وتعميم ثقافة الولاء لأجهزة المخابرات، وذهب البعض ايضا الى المطالبة بالانتداب من جديد، وشبّهوا كل لبنان (بالعصفورية) على امتداد الـ١٠٤٥٢ كلم٢ رغم ان الأجيال الجديدة لا تعرف بأنّ المقصود بالعصفورية هو مستشفى المجانين.

إنّها المرة الاولى التي اشعر فيها بأن معظم  اللبنانيين باتوا يدركون معنى الاستقلال وحاجتهم اليه، على قاعدة أن المحبة لا تعرف عمقها الا ساعة الفراق، ويدركون ايضاً عمق الهوة بين مكونات السلطة الطائفية وأوهامهم وبين ضرورات واستحقاقات الدولة الوطنية المستقلة، ومعظم اللبنانيين يعرفون بوضوح ان أمراء الطوائف والميليشيات صنعوا أمجادهم وتسلطهم على حساب الشعب والوطن والكيان، وانهم امتداد لأزمنة الاستعمار والانقلابات والنكسات والاجتياحات والاحتلال والوصايات ومحاور النزاعات وخطوط التماس، وانهم ورثة ثقافة الهزائم والانتصارات بين الأخوة الأعداء، تلك الثقافة التي تقوم على الانعزال والاستقواء ورفض الآخر وإلغائه وقتله في كثير من الأحيان، وان امراء الطوائف أعداء اشداء لثقافة النجاح والانجاز وقبول الاخر وحرية الافراد ولا يعترفون بالتنافسية المدنية في الحياة والعمل والإنتاج والإبداع وحماية وحدة المجتمعات التي تعبر عن قوتها في الدولة الوطنية والمؤسسات.

لا بد من اعتراف اللبنانيين بأنهم خسروا حريتهم واستقلالهم عندما انتظموا في طوائفهم وتنازلوا عن مواطنيتهم، من اجل حقوق الطوائف ولو على حساب حقوق الوطن المواطنين، لان الدولة الوطنية لا تقوم الا على اساس التعاقد بين الدولة والافراد، وان اي تعاقد بين الطوائف او المجموعات هو عملية اقتسام للسلطة والمغانم ومانع لقيام دولة العدالة والمساواة، ويجب ان يتذكر اللبنانيون انه في كل مرة ارتفع فيها صوت الطائفية والمذهبية انعدمت الحريات العامة والفردية، وضاعت الحقوق والواجبات، ويعم الفساد الطائفي المقدس، وتسقط قيم المحاسبة والمساءلة، وتصبح المكابرة  والتغول والوقاحة والسفاهة من الفضائل، والصدق والحكمة والتواضع من الموبقات.

الاطفال اللبنانيون وحدهم كانوا سعداء بنعمة الاستقلال وصادقين باحتفالهم وأناشيدهم، لأن الاطفال أنقياء غير ملوثين بالطائفية وغير مرتكبين بحق الدولة والمجتمع والكيان، وفي بريق عيونهم وقلوبهم البيضاء كل ما تبقى في لبنان من أمل بتجدد الوطن المستقل الذي فقدناه، اما نحن اجيال الطائفية البغضاء لدينا تاريخ طويل من الارتكابات وأيدينا ملوثة بالدماء والفساد وقلوبنا الطائفية والمذهبية حاقدة وشديدة السواد، الاطفال في لبنان وحدهم الامل والرجاء، ويجب حمايتهم من الإصابة بطاعون الطائفية الذي فتك بكل الأجيال والانجازات والإبداعات.

منذ ما يقارب المئة والخمسين عاماً والطائفيون كانوا ولا زالوا جهلة وطغاة، اهل قتل ودمار، منذ لبنان الصغير الى لبنان الكبير، الى لبنان الاستقلال، الى لبنان النزاعات الأهلية الطائفية المسلحة، الى لبنان الاحتلال والوصايات وإدارة الأزمات من الدول القريبة والبعيدة، الى لبنان الاغتيالات والارتجالات والتهديدات والشعارات الجوفاء ومظاهر الاستقواء والاستتباع والغدر والهدر والتعطيل والفساد. تاريخ طويل من الفشل والادعاء وصناعة الأزمات والاستهتار بمستقبل الأجيال، يهربون من فشل الى فشل ولا مانع لديهم بتحويل المستنقعات الطائفية الى دويلات وهمية، خوفا من اللبنانيين الافراد المؤمنين بالتجربة الوطنية المدنية، والذين يعتبرون الطائفية والمذهبية  قوة احتلال ومانعة لقيام دولة الحرية والاستقلال، وان ربيع لبنان والانتظام العام في دولة المؤسسات، لا يكون إلا اذا رفع شباب لبنان شعار الشعب يريد… اسقاط الطوائف.