كيف يمكن للأمور ان تستقيم في لبنان، وللدولة ان تقوم، وللأمن ان يستتب، وللاقتصاد ان ينتعش، طالما ان لا تفاهم بين مكوّنات الشعب اللبناني على ايّ طرح او موضوع او ثابتة، وجودها ضروري لحياة الشعوب في دول آمنة ومستقرة ومنتجة وقوية، مثل ضرورة الماء والهواء لكل حياة على وجه الارض، فاللبنانيون يعيشون منذ اعلان لبنان الكبير في العام 1920، وما بعد الاستقلال في العام 1943، وحتى ايامنا هذه، في حالة شبه دائمة من انعدام الوزن والأمل، ومن الهزّات الامنية والسياسية في شكل دوري، وصولاً الى الحرب الكبرى في العام 1975، وما تلاها من حروب صغيرة ومتوسطة، وما يمكن ان يحصل في الساعات او الايام او الشهور المقبلة.
كما ان المريض، يعيش على وسائل الانعاش، يعيش اللبنانيون على التسويات وليس على الحلول، تسويات في الأمن، والسياسة، والحكم، والدستور، والادارة، والقضاء، والنظافة والفساد، كل هذا لأن القيادات والاحزاب والطوائف والمذاهب، عاجزةعن تكوين رؤية مشتركة لما هو الافضل لمستقبل لبنان. فالمسلمون، شيعة، وسنّة، منقسمون الى ثلاثة اقسام، قسم يريد لبنان دولة اسلامية، بعضهم بالقوة والعنف، وبعضهم باللين الموصل الى اهتراء الدولة وسقوطها، وقسم يريد لبنان موديل 1943، مع التعديلات التي ادخلها عليه اتفاق الطائف، وقسم قلّوي، لا يمانع بدولة مدنية خارج تأثير الطوائف، وحتى بدولة علمانية نظاماً وتشريعاً، ورأس الحربة في هذا القسم هم الموحّدون الدروز، مع اعداد قليلة من المذاهب الاسلامية الاخرى.
المسيحيون من جهتهم، بعد سعيهم لقيام لبنان الكبير، وقبولهم مشاركة المسلمين في السلطة، وجدوا انفسهم بدءاً من العام 1958 امام حملة شرسة «لتشليحهم» امتيازات كانوا هم يعتبرونها ضمانات، وعندما دخل العامل الفلسطيني المسلّح على الخط في نهاية الستينات وبدأت ملامح الحرب تظهر في الافق، اخذ الحل التقسيمي يدغدغ اكثرية المسيحيين، على انه السدّ الواقي من خطر ابتلاعهم، من هنا قاتلوا وحاربوا لتكون لهم مساحة من الارض يمارسون فيها حريتهم وطقوسهم ونمط عيشهم، وعندما وصل الشيخ بشير الجميل الى سدّة الرئاسة الاولى، توقفوا عن الحلم بالتقسيم، وعادوا يبنون حساباتهم على اساس لبنان واحد لجميع طوائفه.
اغتيل بشير، وبزغ نجم «حزب الله» وتعرّف اللبنانيون الى عقيدة اسلامية متشددة سياسياً ودينياً اسمها «ولاية الفقيه»، وحصر الحزب همّه في البدايات بمقاومة الاحتلال الاسرائىلي، قبل ان يتحوّل في بداية التسعينات الى رقم اساسي في الحياة السياسية اللبنانية، ومع هيمنة النظام السوري على لبنان، وتحكمه بقرارات الدولة وسياستها، عاد القلق يتملّك المسيحيين، وعادت احلامهم «بالاستقلال» تستيقظ.
ـ يتبع يوم الجمعة ـ