الشغور الرئاسي يُراكم. يستفحل. يتمادى. ينذر بالتمدد الى حالة تعطيل وتفريغ شاملة. حال المتسببين الرئيسيين بالشغور كحال من يدرك ان الوقت لا يسمح داخلياً ولا اقليمياً، ولا الموازين في الحالتين، بتغيير الصيغة، لكنه يسمح بتفكيكها وتحللها بمرور الزمن.
فشهر بلا رئيس جمهورية غير ستة أشهر غير سنة. وكلما تمادى الفراغ في الكرسي الأوّل تهدّد الفراغ المؤسسات الأخرى مثلما هدّد التوازنات والمعادلات المتعلقة بحسابات التركيبة الطائفية.
أن يكون البلد بلا رئيس جمهورية كل هذا الوقت فهذه فضيحة. أن يتوزع البلد بين من يرى انه يجوز تعطيل كل شيء الى ان يأتي الرئيس المنشود، ومن يرى الى التعطيل كخطر يستهدف رئاسة الدولة في صلبه. وأن يستعيد الشغور الحالي لحظات شغور ماضية ويصلها ببعضها البعض، فمن جهة، تراه منطق «أنا او لا أحد» المستقدم – او المستمر – منذ نهاية الثمانينيات الى اليوم، ومن جهة، تراه شعور غير مسند لأدلة كافية، بأنه مهما حدث وطال الوقت سينتخب ساعة تنفرج بين الرعاة الاقليميين الرئيس.
لكن النقطة التي لا بدّ من الاضاءة عليها اكثر، وبشكل تصاعدي كلما تمادى الشغور، هو انه، يهدّد الأسس الكيانية والميثاقية. ليس صحيحاً ان الشغور هو بمثابة عدم اتفاق على رئيس. فالشغور مطلوب لذاته.
هناك فريق يريد رئيساً يرتاح اليه، وفريق يريد شخصاً لا غير. لكن الفريق الراعي الاساسي الراعي للشغور انما ينشد الشغور في ذاته. يتحايل بطفولية على الدستور. فاته ان الدساتير لا تكتب فقط لتحديد الصلاحيات والمهل بين المؤسسات، بل تكتب أساساً كي لا يقع تعطيل وتفريغ للمؤسسات.
فيما يتلهى الصخب الداخلي بين الفينة والفينة بنعرة طائفية هنا او هناك، يضعف تسليط الضوء على حقيقة كون الشغور الرئاسي واستفحاله المتمادي نقضاً لميثاق العيش المشترك بين اللبنانيين، خصوصاً ان الموضوع لا يتعلق بعدم تمكن النواب من انتخاب رئيس، بل الموضوع هو، بالدرجة الاولى، عدم تمكنهم من ممارسة فعل الانتخابات بهذا الصدد. فالكتل الداعمة للشغور الى «ما شاء الله» تحرّك «مشرّعيها» كالبيادق.
الشغور يعني بالدرجة الاولى المسيحيين كونه منصب رئاسة الجمهورية. لكن، ما الذي فعله المسيحيون حتى اليوم ليضغطوا ككتلة شعبية ضد تمادي الشغور، من حيث هو، كذلك الامر، اخلال بالميثاق؟
ليس ردّ الفعل بالمستوى المطلوب. مسيحيا، او لبنانيا بشكل عام، لا نزال نعامل الشغور الرئاسي بتفاؤلية لا يجيزها. نرى البلد لم يخرب أسوة بسوريا والعراق فنهوّن من شأن فراغ القصر. نرى أن الفراغ والشغور تكررا، في غير منصب ومؤسسة، فنقول ان كل شيء سيعود لمكانه. لكن لا، لا شيء مضموناً. هناك مَن يريد اصطياد البلد بصنارة الشغور والفراغ، وهناك من يجب ان يتصدى لذلك.