من دون أيّ مبرر لإحياء تلزيم يكلّف دفع 650 ألف دولار بعد ثلاث سنوات من إعداده، أقر مجلس الوزراء التعاقد مع شركة Schlumberger لدراسة تقديرات الثروة النفطية في البر والبحر. المجلس، بقراره هذا، تجاوز مؤسستين معنيتين: ديوان المحاسبة وهيئة إدارة قطاع النفط. فكانت النتيجة رسالتين تناقضان التوجّهات «الإصلاحية» المعلنة للحكومة: استقلالية الهيئات الناظمة وتعزيز دور الهيئات الرقابية مرفوضان!
أعاد مجلس الوزراء، في جلسة الثلاثاء الماضي، إحياء ملف النفط في البر. الملف لم يكن مطروحاً أصلاً إلا من بوابة مشروع قانون التنقيب عن النفط في البرّ الذي لا يزال قابعاً في اللجان النيابية المشتركة. لكن المجلس ارتأى أن يسير بطلب وزارة الطاقة الموافقة على «تلزيم شركة Schlumberger وضع دراسة لتقدير ثروة الهيدروكربون المحتملة في البرّ اللبناني ومياهه الإقليمية». وبعد نقاش محتدم، أقرّ البند بالتصويت، حاصلاً على عشرة أصوات.
هذا الملف يستعيد اتفاقية مرّ على إنجازها 3 سنوات. وهو سبق أن أنجز عن طريق استدراج عروض أجرته إدارة المناقصات في 7/9/2017، بسعر إجمالي بلغ 651 ألف دولار. أثناء الجلسة، اعترض عدد من الوزراء، في مقدمهم وزراء حزب الله وحركة أمل، على إقرار الاتفاقية انطلاقاً من أنه يُشكّل تعدياً على صلاحيات هيئة إدارة البترول التي لم يُشَر إليها في طلب وزارة الطاقة، رغم أن القانون الرقم 132 (قانون الموارد البترولية في المياه البحرية) نقل صلاحية كل ما يتعلق بالنفط في البحر إلى الهيئة، علماً بأن مشروع القانون، الذي يدرس في اللجان حالياً، ينقل صلاحية التنقيب في البر إلى الهيئة أيضاً. ورغم أن القانون لم يُقرّ بعد، إلا أنه أثناء دراسة المشروع في لجنة الأشغال، كان التوافق السياسي كاملاً على نقل هذه الصلاحية من مديرية النفط إلى الهيئة.
طرح ذلك أكثر من علامة استفهام عن الهدف من وراء تحريك وزير الطاقة ريمون غجر ملفاً إشكالياً، وغير ملّح، ومرفوضاً من ديوان المحاسبة (القرار صدر في 14/8/2018). ملاحظات الديوان على المشروع عديدة، وكان قد طلب من الوزارة الإجابة عنها، ومنها: لماذا القيام باستدراج عروض وليس بمناقصة؟ ما سبب شمول الدراسة تحديد الثروة النفطية في المياه الإقليمية رغم أن ذلك يدخل ضمن صلاحيات هيئة إدارة البترول ومهماتها؟ ولماذا قُدّم عرضان فقط وكيف حُدّد اعتدال الأسعار؟
إدارة مشتركة
بالنتيجة، وبعد حصوله على إجابة الوزارة، قرر الديوان عدم الموافقة على المشروع مستنداً إلى: عدم تعليل الوزارة سبب اللجوء إلى التلزيم عن طريق استدراج عروض بدلاً من المناقصة العمومية، وخصوصاً أن قرار مجلس الوزراء الرقم 88 عام 2011 يلحظ التعاقد، في مسار النفط في البر، مع شركات متخصصة بطريقة المناقصة.
أما في ما يتعلق بملاحظة الديوان المتعلقة بالتعدي على صلاحية هيئة البترول، فقد أسقطها بعدما راسل رئيس الغرفة المعنية في الديوان القاضي عبد الرضى ناصر الهيئة، طالباً إيفاده برأيها في الملف المعروض أمامه. وقد جاءت الإجابة، في 22/12/2017، على الشكل الآتي: عدم الممانعة بإجراء الدراسة «على أن تكون متابعة وإدارة المشروع موضوع الدراسة مشتركتين بين مديرية النفط والهيئة، نظراً إلى التداخل الجيولوجي بين البر والبحر، وبالتالي تداخل الصلاحية بين الهيئة المعنية بالموارد البترولية في البحر، والمديرية المعنية بالموارد البترولية في البر».
في قرار مجلس الوزراء لم يتم التطرق إلى مسألة الإدارة المشتركة، وذهب غجر إلى إسقاط أي دور للهيئة. أضاء ذلك مجدداً على إشكالية العلاقة بين التيار الوطني الحر والهيئات الناظمة التي يصرّ على أن تبقى تحت جناح وزير الطاقة. آخر الأمثلة كان التعديلات التي عرضتها الوزارة على القانون 462 (قانون الكهرباء)، والتي نزعت بموجبها استقلالية الهيئة الناظمة للكهرباء، وجعلتها أقرب إلى هيئة استشارية.
ما لم يمرّ في هيئة البترول مرّ في مجلس الوزراء!
بالنتيجة، سعى غجر إلى تبرير طلبه إلى مجلس الوزراء بالاستناد إلى المادة 40 من المرسوم الاشتراعي الرقم 82/1983، الذي يسمح، إذا جاء رأي الديوان مخالفاً لرأي الإدارة، بعرض الخلاف على مجلس الوزراء لبتّه. وكانت لافتةً إشارة غجر في طلبه إلى أنه «ربما اختلط الأمر على ديوان المحاسبة عند رفضه المشروع، حيث استند إلى قرار مجلس الوزراء الرقم 88/2011، الذي يلحظ التعاقد مع شركات متخصصة بالمسوحات الجيوفيزيائية البرّية بناءً على مناقصة تجريها الوزارة، بينما المشروع المطروح يتعلق بوضع دراسة لتقدير الثروة النفطية المحتملة في البر من خلال تحليل المسوحات التي سبق إجراؤها». هنا تجدر الإشارة إلى أن تقدير الثروة النفطية هو المرحلة الأخيرة من الدراسات المطلوبة قبل الاستكشاف، والتي تبدأ بالمسوحات الجيوفيزيائية، ويليها تحديد النموذج الجيولوجي (تحديد طبقات الأرض)، ثم المكامن المحتملة، على أن تأتي بعدها مرحلة تقدير الكميات الموجودة. وإذا كانت موافقة مجلس الوزراء تشمل تقدير الكميات في البر والبحر، فالبنسبة إلى البحر لا ضرورة لذلك قبل انتهاء الحفر في البلوك رقم تسعة وتحليل المعطيات التي استخرجت منه ومن البلوك الرقم 4. وبالنسبة إلى البر، لا يمكن التعويل على مسوحات أولية أجريت عبر تقنية التصوير الثنائي الأبعاد. ما يعني في الخلاصة أن المبلغ المرصود للدراسة لن يكون له أي فائدة فعلية.
البر والشاطئ
مصادر الوزارة، في المقابل، تؤكد أن سبب إجراء استدراج عروض لا مناقصة هو قلة عدد الشركات العاملة في مجال الدراسات في حوض المتوسط (أحد شروط الاشتراك بالمناقصة)، وهو ما أيّدته إدارة المناقصات التي وافقت على استدراج العروض وأصدرت النتيجة التي بيّنت تقديم «شلومبيرجيه» عرضاً أفضل من العرض المنافس الذي قدّمته مؤسسة النفط الفرنسية.
أما بشأن التعدّي على صلاحيات هيئة النفط، فتشير المصادر إلى أن قانون النفط في البر يشمل البر والشاطئ والمياه الإقليمية (12 ميلاً بحرياً)، فيما لا يشمل المياه الاقتصادية الخالصة. هنا، على أقل تقدير، يتضح أن هناك تداخلاً بين صلاحيات الهيئة وصلاحية مديرية النفط في ما يتعلق بالمياه الإقليمية، علماً بأن البلوكات 2 و4 و7 و10 محاذية للشاطئ وتقع في معظمها في المياه الإقليمية، ومع ذلك فإن الأنشطة البترولية فيها من صلاحية الهيئة فقط. أضف إلى ذلك أن مكان حفر البئر في البلوك الرقم 4 يقع على حدود المياه الإقليمية، فهل هي مشمولة بالدراسة التي تجريها Schlumberger؟ مصادر الوزارة تنفي ذلك، معتبرة أن الهدف هو تحليل المعطيات المتوفّرة في البر مع امتداده الشاطئي فقط.
أرنب البر
لكن الأمر يثير الريبة عندما يتبيّن أن مجلس إدارة هيئة النفط سبق أن بحث، على مدى أكثر من جلسة، مسألة تلزيم الشركة نفسها دراسة نتائج حفر البئر في البلوك الرقم 4. الاقتراح قُدّم من عضو الهيئة وسام شباط (التيار الوطني الحر)، لكن أغلب الأعضاء رفضوا السير بالاقتراح، أولاً لأنه لا بد من انتظار التقرير الرسمي بشأن نتائج حفر البئر في البلوك الرقم 4 (يصدر في آب)، وثانياً لأنه يمكن إجراء هذه الدراسات مجاناً من خلال بروتوكول التعاون مع هيئة النفط النروجية، وثالثاً لأن الشركة سبق أن عملت في البئر التي حفرت في البلوك الرقم 4 (لزّمت دراسة التربة). تأخّر بتّ الأمر في الهيئة، ولم يقفل الملف حتى اليوم. لكن بينما كان مضمون الاقتراح يخضع للتعديل (تغيير المنطقة المراد تحليل بياناتها) دوناً عن اسم الشركة، خرج «أرنب» التعاون معها في البر، وأقره مجلس الوزراء.