Site icon IMLebanon

“بترول” الـNGOs: ثلاثة عشر مليار دولار في 12 عاماً

 

 

مع نشوب الحروب والصراعات، وما ينتج عنها من ضحايا ودمار وتهجير، «تزدهر» تجارة البشر والإستغلال على أنواعها. أبرزها وأكثرها ربحاً هي تلك المغلّفة بعناوين حقوق الإنسان واللاجئين وغالباً ما تكون على حساب البلدان المستضيفة الفقيرة ومواطنيها. في لبنان، بات لكلّ خيمة نزوح، جمعيّة. وعلى قاعدة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ومنعاً للسقوط في فخّ التعميم، نبت جزء منها كالفطريات مستندة إلى ثلاثة عوامل أساسية: مصلحة المجتمع الدولي بدمجهم في البلدان المجاورة. استغلال ضعف الدولة اللبنانية وعشوائيتها في معالجة النزوح السوري وتنظيمه. تشكيل «لوبي» ضاغط ومتماسك إعلاميّاً يحظى بدعم المنظمات وهيئات حقوق الإنسان الدولية، لمواجهة أيّ قرار محلّي بعودة النازحين إلى وطنهم تحت ذريعة إنتظار الحلّ السياسي الشامل.

 

بعد مرور 114 عاماً على قانون مدحت باشا العثماني (الصادر في آب 1909)، لم يفلح البرلمان اللبناني في تشريع قانون عصريّ للجمعيات يميّز بين الأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية. 10370 جمعية مرخّصاً لها. حوالى 5025 جمعية نشأت بعد العام 2011 أي مع اندلاع الأزمة السورية وتوافد أفواج النازحين إلى لبنان. في سوريا مثلاً هناك نحو 1960 جمعية فقط /عدد السكّان 16.76 مليوناً تقريباً داخل البلاد، ونحو 9. 12 مليوناً خارجها فضلاً عن 897 ألف مفقود ومغيّب، وفق آخر دراسة أجراها مركز «جسور للدراسات» (مقرّه اسطنبول) أمس الأول. في المقابل، يشير تقرير «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين» إلى أن أكثر من 6.6 ملايين لاجئ خارج سوريا. أمّا التقارير التابعة للنظام السوري، فتتحدّث عن 4.3 ملايين لاجئ.

 

هكذا فتحت الشهية

 

بالعودة إلى الواقع اللبناني، يقول مصدر مطلع وناشط في مجال جمعيات المجتمع المدني لـ»نداء الوطن»، إنّ «عدد الـNGOs ارتفع أكثر مع تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب. هذه الكارثة فتحت شهيّة الجمعيات المهتمّة حقّاً بإغاثة ومساعدة المنكوبين، وتقلّص دورها مع تراجع المساعدات الدولية لمنكوبي بيروت وضواحيها. أمّا بعض الجمعيات، التي تسلّلت من بين الركام والضحايا، فتابعت نشاطها مع النازحين واللاجئين». وأوضح أنّ «الجهّات الدولية المانحة، اشترطت او ربطت التمويل بمساعدة اللاجئين السوريين والفلسطينيين. بينما اقتصر الدعم الأممي للبنانيين من خلال الجمعيات الأهلية في المسائل المتعلّقة بالتنمية والتطوير، في حين أنّ المواطنين يعانون من أزمات اقتصادية خانقة أكثر من النازحين».

 

تنظر الدولة أو بعض المسؤولين في هرم إدارتها، إلى جانب المستفيدين من الجمعيات إلى قضيّة النزوح، على أنها صفقة، وبالتالي تخضع لقاعدة «القسمة والمحاصصة». أمّا السؤال عن دور السلطات وأجهزتها الرقابية، فيشبه البحث عن الأحياء بين القبور (الضرب في الميّت حرام). تراها غافلة عن القيام بمهامها وإصلاحاتها، وناشطة جدّاً في دوائر الرشاوى والفساد. «الشحادة» لا تقتصر على المتسوّلين في شوارع البؤس. إذ لفت المصدر ذاته إلى أن «الجمعيات المهتمّة بمجالات التنمية المستدامة والتدريب على المواطنة والقيادة وغيرها، قد تأخذ أشهراً عدّة للحصول على العلم والخبر من الدولة والجهات المعنيّة. فيما الجمعيات المعنية بالنازحين واللاجئين، طريقها أسهل. والسبب أن الأخيرة تدفع رسومها بالـ»فريش» ولها الحقّ بفتح حسابات بالدولار، ما يعني دخول العملة الأجنبية إلى خزائن المصارف وصناديق الفاسدين في الإدارات، لقاء خدمات وتوظيفات ومشاريع إنمائية».

 

دائرة ثلاثية المصالح

 

بين الدول المانحة ومنظمات الأمم المتحدة، والجمعيات المحليّة علاقة تكاملية في ترابط المصالح. الحلقة الأولى، أي الدولة الغربية الساعية إلى تخفيف أعباء اللجوء عن مجتمعها، بعدما عجزت عن تحقيق نظرية الإندماج الإجتماعي وارتفعت معها نسب الجرائم كما الحال في لبنان إذ بلغت نسبة السجناء والموقوفين السوريين 80%. السويد على سبيل المثال، صرّحت عن وجود 5000 لاجئ سوريّ يشكّلون خطراً مباشراً على مجتمعها وهويتها، وتعمل على ترحيلهم فوراً، إضافة إلى تقديم تسهيلات وحوافز مالية لغيرهم لمغادرة البلاد. هنا يطرح السؤال: لماذا يسمح للدول الكبيرة المانحة بترحيل اللاجئين، فيما يتمّ اتهام لبنان واللبنانيين بالعنصرية؟ الحلقة الثانية هي هيئة الأمم المتحدة، المستفيدة الأكبر من أزمة النازحين واللاجئين في لبنان والدول المجاورة، فهم يشكّلون مصدر رزق لها، من خلالهم يتمّ تمويلها من قبل الدول المانحة المهيمنة، وتحت عباءة المنظّمة الدولية تأتي الحلقة الثالثة.

 

خلال 12 عاماً، بلغ دعم المجتمع الدولي لهذه الجمعيات والهيئات أكثر من 13 مليار دولار وفق تصريحات سابقة لمسؤولين في «مفوضية الأمم لشؤون اللاجئين» UNHCR، توزّعت على قطاعات عدّة، منها تأمين الرعاية الصحيّة والنفسية للأطفال، تأمين القرطاسية والكتب للطلاب، الإهتمام بتعليم النازحين، استشارات ودعم قانوني، تأمين الرعاية الصحيّة للحوامل السوريّات، إضافة إلى الدعم المادي والمالي المباشر.

 

هذه المبالغ الطائلة، التي لم تدخل خزينة الدولة بشكل مباشر، توزّعت بين الجمعيات والهيئات ومخيّمات النزوح، ومسؤولين سياسيين. ويشدّد المصدر على أن «الجمعيات لا تستطيع العمل في مناطق تواجدها من دون ضوء أخضر سياسي. دعه يدفع دعه يمرّ». وما يفضح فساد تلك الجمعيات ومنفعتها، أنها لا تطبّق شروط اللجوء على الذين تحوّلوا إلى لاجئين اقتصاديين بين لبنان وسوريا. كما لفت إلى أنّ الأجهزة الأمنية بدأت منذ فترة مراقبة ومتابعة بعض الجمعيات والتحقّق من عملها ونشاطها وأهدافها، ومدى تطابق مساعداتها مع الشروط القانونية للجوء. وفي هذا السياق، يكشف المصدر المطلع أنّ «بين مليون و800 ألف نازح، يوجد 13 ألفاً منهم لا يستطيعون العودة إلى ديارهم تحت التهديد بالاعتقال أو القتل. هؤلاء فقط يستحقّون صفة اللجوء والحماية».

 

ويختم المصدر، لافتاً إلى إجحاف أممي في تحمّل أعباء النزوح بحق بعض المناطق اللبنانية. أغلب المساعدات تذهب إلى الأطراف في الشمال والجنوب والبقاع، بينما بيروت والمتن وكسروان وصولاً إلى جبيل والبترون، خارج اهتمام الجمعيات والمنظمات، معتبرةً أن هذه المناطق مكتفية وتستطيع تحمّل أعبائها أكثر من غيرها. وشدّد على أن بعض اللبنانيين الذين يشغلون مراكز التنسيق وإدارة الموارد البشرية والإشراف على بعض البرامج المعنية يتعاطون بكيديّة وبخلفيات سياسية ومناطقية، مؤكّداً أن بعض هؤلا يدور في فلك الأطراف السياسية والمنظومة الحاكمة.