IMLebanon

ظاهرة امبراطورية أم صوتية؟

تستعجل إيران في احتفالها بإعادة بعث امبراطوريتها، واستحضار طيفها من التاريخ الى الحاضر. وتستعجل في إعلان النتائج والخلاصات، مع أن كل شيء، وحرفياً كل شيء، يشير الى ان المرحلة العويصة الراهنة، لا تزال في مرحلة البدايات، أو بالقرب منها.

الاّ اذا كانت تفترض، ان امبراطوريتها المشتهاة هذه، هي صنو الحريق. وأن ما يجري من بلاء اسطوري، في العراق وسوريا تحديداً، هو الأساس الرافع لمداميك تلك الامبراطورية. وأنها على طريقة الهنود الحمر، ترقص صاخبة حول نار ضحيتها، من دون أن تحسب أي حساب منطقي، لخط العودة. ولا أن تمتلك ما يكفي من بُعد نظر يسمح لها بالانتباه الى أن ربح معركة أو اثنتين لا يعني ربح الحرب!

.. وحتى في ذلك، لا يمكنها الادعاء بأنها ربحت تماماً في أي معركة مفتوحة في حرب إحياء امبراطوريتها هذه. لا في اليمن ولا في العراق ولا في سوريا ولا في البحرين ولا في لبنان. بل هي في هذه النقاط مجتمعة، «تلعب» مثلما يلعب غيرها. وتنزف مثلما ينزف غيرها. بل الواقع هو أنها تُستنزف أكثر من غيرها وتنخرط في أتون أكبر من قدرتها على تحمله. أي انها في المحصلة، لا ترسو على أي برّ يسمح لها بإطلاق صيحات الانتصار، فكيف بادعاء الإحياء الامبراطوري؟!

ومع ذلك، وتحت سقف ادعاءاتها وليس فوقها، تبدو مقوّمات امبراطوريتها هذه، غريبة بقدر ما هي استثنائية: تبني على خرائب الآخرين وليس على عمرانهم، وعلى التعطيل وليس على الإنتاج. من شواطئ قزوين الى شواطئ الابيض المتوسط، ولا تستطيع إدعاء العكس: دُمّرت افغانستان فصار لها ادعاء التأثير على الطاجيك والاوزبك في المناطق الشمالية المحاذية لها. ودمّر العراق فصار لها ادعاء التأثير على سلطته المركزية وجزء من شعبه وفي جنوبه تحديداً. ودمّرت سوريا فصار لها ادعاء التقرير والمصير فيها. وهو ادعاء ليس إلا! وخرّب لبنان فصار لها ادعاء التعطيل فيه علماً ان غيرها الذي يبني ولا يعطّل، يظهر قدرات تعطيلية موازية لقدراتها ان لم يكن أكثر.. ضُرب اليمن فصار لها الادعاء بأن شعاع ثورتها أعاد لذلك البلد سعادته المفقودة! حاولت وتحاول اللعب في البحرين فصُدّت وتصّد.. حتى في العراق ستكتشف لاحقاً وبسهولة نسبية، ان أهلها أعصى في عروبتهم، من الاستخفاف الذي أظهره علي يونسي. وان بغداد ليست المدائن الساسانية. وأن مراسهم وطبائعهم لا تحتمل إهانة من طراز اعتبارهم مجرد رعايا في امبراطورية الوصاية المعلنة.

ولا يمكنها فوق ذلك كله، نكران واقعة انها خسرت وتخسر في سوريا وليس العكس: مجرّد اندلاع الثورة الشاملة على نظام كان أقرب حليف لها في هذا العالم، هو تأكيد لذلك.. ولا يمكنها الادعاء انها استطاعت أو تستطيع حسم الأمر إلاّ إذا كانت تصدّق ان دمشق تعني سوريا كلها في الجغرافيا وخريطة الحرب. وان بشار الاسد سيعود ليحكم ويتحكم! وكذا الحال، اذا كانت تصدّق فعلاً، ان تفريخ الميليشيات الطائفية أو دعم الشطط المذهبي في هذا البلد أو ذاك، يعني سيطرة تامة لها أو ترسيخاً لسطوتها!

الحاصل هو اننا أمام ظاهرة صوتية، أكثر بكثير من ظاهرة امبراطورية.. وان كان ضرباً من ضروب المراهقة والنكران، تجاهل الكارثة التي سببتها وتسببها السياسات الايرانية لمحيطها العربي كما لأصحابها أنفسهم!