لا تزال الاشادات الخارجية تنهال على لبنان لاستقباله عدداً هائلاً من اللاجئين يكاد يوازي ثلث سكانه فيما يتركز الاهتمام على استقراره للبقاء موئلاً هادئاً ومحتملاً للاجئين السوريين خصوصاً. لكن الأمور لم تعد منضبطة وانتقلت الازمة التي حاولت الدول الغربية ولا سيما منها الأوروبية حصرها من ضمن الدول المجاورة الى هذه الدول بالذات وبدأت تلمس ان لإطالة أمد الأزمة السورية جنباً الى جنب مع استمرار استعار الأزمات في المنطقة انعكاسات سلبية خطيرة بدأت تصل اليها عبر تفاقم أزمة المهاجرين الى دولها فيما لا تستطيع وقف تدفق هؤلاء. فأزمة المهاجرين تبدو انعكاساً جديداً بدأ يلقي بتبعاته على الدول الغربية بعدما شكل نشوء تنظيم داعش الانعكاس الخطير الأول في هذا الاطار، وكذلك التحاق شباب غربيين من الخارج بهذا التنظيم الذي تحول مشكلة للغرب باسره وصولاً الى روسيا مقدار ما هو مشكلة بالنسبة الى سوريا والعراق والدول العربية الاخرى. ويبدو التطور المتعلق بأزمة المهاجرين نتيجة طبيعية لصمت الغرب ووقوفه عاجزاً عن وقف ما اعتبره “جرائم حرب” ترتكب في سوريا على غرار ما سجلت الولايات المتحدة بالذات بالنسبة الى سقوط أكثر من 2000 برميل متفجر فوق رؤوس السوريين بين تموز ومنتصف آب من السنة الجارية من دون ابداء أي رد فعل باستثناء الاستنكار الذي لا يفيد في شيء. كما هو نتيجة طبيعية للعجز عن التوافق في مجلس الامن على حلول لانهاء الازمة بحيث ان التوافق الأخير على لجنة للتحقيق في هوية من استخدم السلاح الكيميائي ضد الشعب السوري والذي تم في 7 آب المنصرم نتيجة مفاوضات خمسة أشهر بين الولايات المتحدة وروسيا قد لا يعطي النتائج المرجوة من اجل اتاحة المجال لاتخاذ مواقف حاسمة او اجراءت عقابية، على رغم صدور قرارات تفيد بسقوط براميل تحمل غاز الكلورين من الطائرات التي لا يملكها سوى النظام.
تأخّرت الدول الغربية في مقاربة الحلول الممكنة وإن تعدّدت الأسباب لذلك في مقدمها استمرار التباين في المقاربتين الأميركية والروسية للأزمة اضافة الى التباعد لا بل الصراع الاقليمي بين ايران ودول الخليج العربي اضافة الى أسباب أخرى. لكن هذه الدول بدأت تدفع أثماناً كبيرة فيما تتخبط في محاولة توحيد المواقف من الازمة المتفاقمة للمهاجرين او الحد منها. وهي بدأت تدعو الى مؤتمرات من اجل محاولة ايجاد حلول على غرار ما بدأت روسيا مساراً متجدداً من اجل تشكيل تحالف ضد الارهاب الذي يشكله داعش ترغب في ان يضم نظام بشار الاسد الى دول المنطقة في هذا التحالف على غير ما هو التحالف الذي تقيمه الولايات المتحدة على هذا الصعيد. ففتح الباب مجدداً أمام اتصالات متعددة حفل بها الشهر المنصرم ولا يزال يشكل أحدها لقاء الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا مع مساعد الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان في بيروت فيما الديبلوماسي الدولي في طريقه اليها. وكان عبد اللهيان أعلن في 5 آب المنصرم ان بلاده تعتزم تقديم خطة للامين العام للامم المتحدة تتضمن اربع نقاط وفيها ما هو لافت الى جانب الدعوة الى وقف فوري للنار والدعوة الى حكومة وحدة وطنية وانتخابات ومراقبة تأمين حماية دستورية للأقليات. وقد اجتمع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مع الاسد في 12 آب من أجل البحث في النقاط الايرانية. والنقطة الأخيرة المتعلقة بحماية الأقليات التي ترغب ايران في تأمينها تستقطب الاهتمام في خضم مساعي التوصل الى حلول على قاعدة ان حماية الاقليات هي نقطة القوة في المساعي الروسية للحل وهي ليست لايران مقدار ما هي للحليف الآخر لنظام الأسد، اذ معلوم ان روسيا ترفع شعار الأقليات والدفاع عن المسيحيين في الأساس من اجل المحافظة على وجودهم في سوريا والمنطقة ومن اجل امتلاكها أوراقاً قوية لا يمكن تجاهلها. لكن الالتقاء الروسي الايراني على حماية الأقليات يبدو مهما في سياق ترقب الحلول التي تراها كل من الدولتين الحليفتين للنظام. كما تستقطب هذه النقطة الاهتمام من باب المعلومات التي تم تداولها عن هدنة بعد أخرى في الزبداني حيث يخوض “حزب الله” حرباً بالنيابة عن النظام ومعه بالتزامن مع مفاوضات اقامتها ايران في تركيا مع فصائل معارضة من أجل تأمين استبدال سكاني في المنطقة في ما يفسر من جهة المخطط الايراني بالنسبة الى المحافظة على ما تبقى لايران في سوريا وابقائه صلة الوصل بين ما يمكن ان يتبقى من نفوذ حلفائها هناك ومناطق سيطرة حلفائها في لبنان قبل بلورة الحلول المحتملة، والتي تدرك ايران قبل سواها ابعادها بدليل اقتراحها في بنود الحل التي تراها مناسبة لسوريا بنداً لحماية الأقليات ستندرج تحته حكماً حماية الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس السوري، فيما ان حكومة انتقالية جامعة تستلم السلطة في سوريا وفقاً لبيان جنيف لن تبقي على صلاحيات الأسد حتى لو بقي لبعض الوقت. والاستبدال السكاني الذي سرى على انه نزوح مدني كامل المواصفات لم يلق أي أهمية في ردود الفعل الخارجية في ظل التغيير الديموغرافي الذي تشهده سوريا ويساهم في تهجير الآلاف من سكانها. فالغرب لا يزال تحت وطأة نتائج الاتفاق النووي وفي انتظار اقفاله نهائيا بحيث تعجز عن مقاربة ما يحصل في سوريا بما يوتر علاقاتها مع ايران في زمن السعي الى الانفتاح عليها.