تتلقى وزارة العمل عدداً هائلاً من طلبات تسريح عمال في مؤسسات لبنانية واخرى أجنبية عاملة في لبنان، في ظاهرة ليست جديدة، لكنها بدأت تأخذ منحى تصاعديا لم تشهده البلاد منذ زمن الحروب.
تفتك أزمة النزوح السوري بالاقتصاد اللبناني منذ سنوات وتدفع به نحو الهاوية عاماً بعد عام، يساندها في ذلك غياب السياسات الاقتصادية الحكومية، بما ساهم في خلق «مهنة جديدة للبنانيين اسمها البطالة»، على حدّ تعبير وزير العمل سجعان قزي الذي أوضح ان «نسبة البطالة في لبنان وصلت الى 25%، 36% منهم في عمر الشباب و47% من طلاب الجامعات».
واشار الى أنّ 67000 يغادرون لبنان سنويا من مختلف المستويات العلميّة بعمر الشباب، في حين ان لبنان بحاجة الى 34000 فرصة عمل سنويا الا انه لا يوجد فعلياً سوى ما يقارب 3400 فقط.
من جهته، كشف رئيس مؤسسة «لابورا» الاب طوني خضرا لـ»الجمهورية» ان عدد الموظفين المسرحين في العام 2015 بلغ 12000 عامل، منهم من تمّ تسريحهم بسبب إقفال المؤسسات التي يعملون لديها، ومنهم من تمّ تسريحهم بسبب تردّي الاوضاع الاقتصادية وسياسة التقشف المتّبعة في معظم الشركات اللبنانية.
طلبات تسريح عمال
آخر أرقام وزارة العمل تفيد بتلقيها حوالي 1500 طلب لتسريح عمال في الأسبوعين الماضيين، حيث تلقت طلبات تشاور من جمعيات دولية عاملة في لبنان وهي جمعية الاغاثة الدولية لصرف 103 أجراء، شركة المرافق والخدمات (اوسكو) المتعاقدة مع كهرباء لبنان لصرف 590 اجيرا، مطعم أوتار لصرف 100 أجير بحجة تردّي الوضع الاقتصادي، كذلك أقدمت شركة «اميرالد وجتس» على صرف طيارين لبنانيين ومساعد طيار لبناني. وقد تمّت عمليات الصرف قبل انهاء التشاور مع الوزارة بمقتضى المادة 50 فقرة «واو» من قانون العمل».
كانت وزارة العمل قد تلقت الاسبوع الماضي طلبات من جمعية انقاذ الطفل الدولية، ومجلس اللاجئين الدانمركي في لبنان يشيران فيها الى رغبتهما بالاستغناء عن قسم كبير من العاملين اللبنانيين لديهما لأسباب غير مبررة، حيث صرفت الجمعية المذكورة 280 عاملا لبنانيا من أصل 585 عاملا، وصرف مجلس اللاجئين الدانمركي 386 عاملا لبنانيا من اصل 728 عاملا لبنانيا، فيما أبقى على العمال الاجانب.
وأشارت الوزارة الى «ان عمليات الصرف طالت ايضا القطاع الفندقي حيث اقدمت ادارة فندق «كورال بيروت» – الحمرا على صرف تسعة اجراء لبنانيين، ورغم طلبها اجراء التشاور على اساس المادة «50» لم تلتزم ادارة الفندق بموجباتها القانونية وفق هذه المادة لاعطاء المصروفين حقوقهم».
إزاء ذلك، أسفت «وزارة العمل لهذا النهج المعتمد في عمليات الصرف للعمال اللبنانيين واستبدالهم بالأجانب وتحديدا اليد العاملة السورية، التي باتت تشكل اكثرية العاملين في سوق العمل اللبناني»، وأكدت «المضي في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة من منطلق حرصها على المحافظة على اليد العاملة اللبنانية».
ونبهت هذه الجمعيات الى خطورة ما اقدمت عليه في هذا السياق، حيث لا يمكنها التغاضي عن هذا التصرف الذي يتنافى مع اهداف هذه الجمعيات في الاعانة والاغاثة والرعاية الاجتماعية، وهي ستضطر لاتخاذ التدابير القانونية اللازمة لحماية اليد العاملة اللبنانية».
الأسباب
عزا رئيس الرابطة العالمية للاقتصاد وعميد كلية ادارة الأعمال في «جامعة الحكمة» البروفسور روك – أنطوان مهنا، ردا على اسئلة «الجمهورية» اسباب ارتفاع نسبة البطالة في لبنان الى العوامل التالية:
1- أثرت أزمة النزوح السوري بشكل اساسي على عنصر الشباب اللبناني لأن العمالة السورية لم تعد موسمية تقتصر على قطاعي البناء والزراعة، بل تغلغلت داخل المهن ذات المهارات والمهن المحصورة باللبنانيين، والمهن الحرة واصحاب الصناعات.
واشار مهنا لـ«الجمهورية» الى ان خطورة الموضوع وجود دورة اقتصادية سورية داخل الاقتصاد اللبناني حيث تأتي المواد الاولية مهرّبة من سوريا ويكون التوزيع سوري والمتعهد سوري والعامل سوري وصولا الى المستهلك. لافتا الى انه أصبح لدى محال الخضار السورية في لبنان، على سبيل المثال، فروعاً وشبكات على الاراضي اللبنانية.
2- أثر تشنّج العلاقات اللبنانية الخليجية نتيجة الخطاب السياسي، بشكل سلبي على الموظفين في دول الخليج.
3- أدّت أزمة النفظ في الدول الخليجية المصدرة للنفط الى تسريح بعض العمال الاجانب في تلك الدول، ومن ضمنهم الموظفين اللبنانيين لأسباب سياسية.
4- أثر الفراغ في رئاسة الجمهورية على عامل الثقة، مما حجب الاستثمارات الكبرى عن لبنان ووضعها في خانة الترقّب، مما أضاع امكانية خلق فرص عمل جديدة.
5- أدّى الشلل على الصعيد الحكومي وعلى صعيد مجلس النواب، الى غياب الاصلاحات التشغيلية. ورأى مهنا ان مسؤولية إقرار بعض المشاريع الانمائية التي تخلق فرص عمل كثيرة، تقع على عاتق مجلس النواب، كالبتّ في ملف النفط والغاز واقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص الذي قد يخلق حوالي 200 الف فرصة عمل، اضافة الى مشروع الحكومة الالكترونية، مشددا على ان هذه المشاريع داخلية غير مرتبطة بالأزمة السورية ولا بالأزمة الخليجية.
6- حدّ القانون الاميركي على حزب الله، ولو بشكل بسيط، من حركة التحويلات ومن بعض النشاطات والمشاريع التي كانت تساهم جزئيا في الدورة الاقتصادية.
واعتبر مهنا ان البلديات المنتخبة حديثاً يمكن ان تساهم في تحريك العجلة الاقتصادية محلياً، عبر خلق فرص عمل محصورة باللبنانيين من خلال استخدام الاموال التي تمّ تحويلها اليها واطلاق مشاريع انمائية.