صحيح ان المذاهب اللبنانية جميعها تعاني حاليا من مأزق يختلف من واحدة الى اخرى، وهي مأزومة نتيجة الاوضاع في المنطقة، وتبدل موازين القوى، من دون اتضاح الرؤية الى مستقبل الانظمة القائمة، المتعاظمة النفوذ، او تلك المتآكلة والمهترئة او القابلة للسقوط، وفي غياب رؤية حقيقية لمستقبل المنطقة وتقاسمها الجغرافي الجديد.
وربط المسلمين اللبنانيين انفسهم بهذه الانظمة، بصعودها وهبوطها، يجعلهم في حال من عدم الاستقرار، ينتج من عدم وضوح الرؤية، اذ هي ليست رؤيتهم في كل حال، بل خطط الغير المسقطة على الداخل اللبناني، ما يؤثر سلبا في مواقفهم وعلاقتهم بعضهم ببعض، كما بعلاقتهم بالآخرين، فتصير الازمة اكثر عمقا، اذ ليس من شريك قادر على الدفع باتجاه تحريك النظام قدماً، وهو نظام يعاني خللا واضحا، لكنه اقوى من ان يتهاوى، وهو حتى تاريخه، عصي على الاصلاح.
اما المسيحيون، وتحديدا الموارنة، الذين اختصروا الدور السياسي لباقي المذاهب المسيحية، ان بجهدهم لقيام لبنان الكبير، او بأخطائهم المتكررة التي تتهدد الكيان، فإنهم لا يرتبطون حاليا بأي دولة ترسم مسارهم السياسي، وهذا ايجابي طبعا، بدل الارتهان الى الخارج الذي جربوه مرارا، وكانت الخيبة دوما اكبر من المكاسب المحققة. لكن هذا اللاارتباط، واللاارتهان، يحتاجان الى رؤية واضحة حول الدور والهوية والمستقبل، وهذه لا تتوافر لدى الطاقم السياسي الماروني الحالي الغارق في احقاد الماضي، وايضا لدى المرجعية الروحية المتمثلة بالبطريرك الماروني الحالي مار بشارة بطرس الراعي.
ولا يدفعني الى هذا الاستنتاج، التصريح الناري الذي اطلقه البطريرك الراعي الاول من امس، والذي رمى فيه على التمديد لمجلس النواب ما يشبه الحرم. فالتمديد في ذاته ضرب للاسس الديموقراطية التي يقوم عليها النظام، وهو غير مبرر لأن الاوضاع الامنية غير متفلتة، بل هي قد تكون كذلك لخدمة مشروع التمديد، وما اعلنه “تكتل التغيير والاصلاح” في بيانه منتقدا من أهل البيت “من تعهد النوم على درج المجلس لإقرار قانون انتخاب جديد” في محله، لان التمديد الاول ترافق مع وعد بقانون جديد، وها هو التمديد الثاني يغلف بوعد المبادرة الى انتخاب رئيس جديد للبلاد، وقد يذهب ادراج الريح مع وقوع التمديد الذي صار واقعا، والا ذهبت البلاد الى فراغ كلي لا تحمد عقباه.
يبقى ان الاعتراض الماروني يعبر عن عجز ليس اكثر، فالمسيحيون لا يدركون حتى الساعة، ولا يتفقون على مشروع قانون انتخابي يحقق مصلحتهم لسنين مقبلة، والموارنة يكادون أن يضيّعوا الرئاسة الاولى لفرط احقادهم ومصالحهم الشخصية، فلا يلتقون على مرشح وفاقي في ما بينهم. وبطريركهم، بدل ان يسعى مجددا الى جمعهم في الزمن الصعب، قال كلمته اثناء عودته من روما، قبل ان يغادر اليوم الى اوستراليا في رحلة طويلة نسبيا.