بين محنة الإرهاب في زمن «داعش»، ونكسة أسعار النفط التي تتهاوى يومياً، وترسم الخطوط الحمر لموازنات دول، بالتالي إنفاقها على التنمية و «إنتاج» فرص عمل، عُقدت القمة العادية الخليجية في الدوحة، والتي لم تكن عادية، إذ كرّست مصالحة مع قطر أُعلِنت في قمة الرياض، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
ثمانية أشهر عسيرة أُنقِذت بعدها وحدة مجلس التعاون الخليجي، المنظومة العربية الوحيدة التي نجت من تداعيات خطف «الربيع العربي». وإن بدا ان قمة الدوحة لم تسجّل إنجازاً على صعيد تحصين وحدة المجلس، باعتبار أن هذه المهمة استُكمِلت في قمة الرياض، فالحال أن الصفحة الجديدة التي فُتِحت في العاصمة القطرية، ترسّخ اعترافاً بالوقائع الإقليمية والدولية، وبأن المتغيرات الضخمة تستدعي حتماً آلية خليجية مختلفة عما شهده مجلس التعاون منذ تأسيسه.
في المتغيرات «الطارئة» عام 2014، بعد التأزم في العلاقات الخليجية – الخليجية وقبله، أن تنظيم «داعش» بات حاضراً على تخوم منطقة الخليج، وأن النفوذ الإيراني تمدّد ليفرض ذاته بقوة الحوثيين في اليمن، فيما الغرب يقربه تدريجياً، عبر التطبيع بالتقسيط مع طهران (المفاوضات النووية). وما لم يعد خافياً هو التعاون الأميركي- الإيراني غير المباشر، عبر توزيع أدوار في قتال «داعش» في العراق.
وعلى رغم ما بذلته دول الخليج لانتشال العراق من عزلته العربية التي غذى جذورها نهج الحليف الأول لطهران، نائب الرئيس العراقي نوري المالكي، وجّهت إيران رسالة إلى قمة الدوحة من خلال إحياء تحالف إيراني- عراقي- سوري، تحت غطاء محاربة تنظيم «داعش» والإرهاب.
مجرد مفارقة أن يطالب أمير دولة الكويت صباح الأحمد الصباح في قمة الدوحة بـ «وقف هدير آلة القتل والدمار» في سورية، في حين يتمنى الرئيس الإيراني حسن روحاني أن «يواصل الشعب السوري مسيرة انتصاره»!
وبين دول مجلس التعاون، لم يكن ضمن الخلافات عدم القبول بأي شرعية لنظام الرئيس بشار الأسد، بل كيفية مقاربة أي حل لمأساة شعب يتعرض لإبادة. وبين الخلافات، كانت إيران دائماً حاضرة، تعزف على وترها، كما تشكك بجدوى التحاق الخليجيين بالتحالف في الحرب على «داعش». وحضرت أيضاً مصر، منذ صعود «الإخوان المسلمين»، حتى ما بعد إبعادهم عن حكم دولة، مازالت تعتبر حصنَ دفاع عن أمن الخليج واستقراره.
منذ صعود «الإخوان» وتقلُّب الربيع العربي على رياح تيارات الإسلام السياسي، ثم صعود «داعش» وخطفه حدوداً وأراضي، بات الخليجيون أمام جنون الإرهاب قلقين على مناعة مجتمعاتهم، فيما كيانات أخرى مثل سورية وليبيا، تتشرذم بين ميليشيات وفصائل وكتائب.
والوقائع تقتضي الاعتراف، بأن مجلس التعاون الذي نجا من أقسى اختبار، بعد شهور عصيبة من الخلافات، بين بعض دوله، سيختبر التزامه الدعم الجماعي لمصر التي لم تتعافَ بعد من موجات العنف في الداخل. لكن المهمة الأكثر تعقيداً ربما تتمثل في توحيد الرؤية الخليجية لإنقاذ سورية من الكارثة… بانتظار التوافق الدولي على الحل السياسي. الأكيد أن لا حل إلا بهذا التوافق، وفي الخليج اقتناع راسخ بأن لا حل ايضاً ما دامت إيران تمدد عمر النظام السوري ومآسي شعبه.
والسؤال كذلك، بعد صعود الحوثيين في اليمن، هو كيف يواجه مجلس التعاون الاندفاعة الإيرانية الكبرى في المنطقة، والتي لا يمكن التكهن بمداها ولا بتحولاتها حتى المهلة النهائية للاتفاق النووي المتأخر؟
تغيّرت منطقة الخليج، تغيّر العالم في عام «داعش» ومفاوضات منع تصنيع القنبلة النووية الإيرانية. ويدرك الخليجيون أن ترك الخلافات «الجانبية» تتفاقم، فرصة ذهبية للطامحين إلى عصر الصفقة الكبرى. والأكيد أن الأمن وحده لا يكفي لتحصين الأمن، وحماية دول الخليج من رياح الإرهاب، بعد عواصف «الربيع»، و «الهزات» الإيرانية.
كان لرسالة شباب الخليج امام قادة دول مجلس التعاون في الدوحة، وقعُ نداء لحماية تماسك المجلس، بوصفه مطلباً لشعوب المنطقة وشبابها وليس لحكوماتها فقط. بعد الدوحة، مرحلة اختبار أخرى، لصد اختراقات إقليمية ودولية، ومقاومة عصر «داعش» ومَنْ يتلطى به.