IMLebanon

سياسة الـ «ماسكيروفكا»

سقطت محادثات «جنيف٣» قبل أن تبدأ، مثلما فشل «جنيف الأول» و«الثاني» وفيينا.

لقد نصّ بيان مجلس الأمن الدولي الرقم 2254 في بنده الخامس على الصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية لحل الأزمة السورية، لكن روسيا وحلفاءها شنّوا أشرس الغارات والعمليات العسكرية على المعارضة السورية المسلحة، بهدف تبديل الوقائع على الأرض، فيما كان الجميع يغوص في تفاصيل الإعداد لأعمال المحادثات.

والمفارقة أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان يضغط على المعارضة للإنصياع للشروط الروسية حول شكل المشاركة في محادثات جنيف، ويُحمِّلها مسؤولية فشل هذه المحادثات، وما قد يترتب عن ذلك من سقوط لحلب.

هل وقع الأميركيون في الفخّ الروسي، ودفعت المعارضة ومَن خلفها الثمن، أم أن هناك أسراراً أخرى للموقف الأميركي المُلتبس؟

هناك من يعتبر أن موسكو تعتمد في الحرب السورية سياسة الـ «ماسكيروفكا» (Maskirovka)، أي «إستراتيجية الخداع العسكري» باللغة الروسية، وهي استراتيجية طالما أتقنها الجيش السوفياتي وجهاز المخابرات «ك ج ب» في صرف الإنتباه عن الأهداف الحقيقية.

وجاء إتفاق ميونيخ بعد أكثر من سبع ساعات من المفاوضات ليُجدّد التفاهمات الأميركية الروسية على وقف إطلاق النار في سوريا، لكنه لن يرى النور حتماً لأسباب عدّة أبرزها:

أولاً، لن يرى النظام السوري ورعاته فائدة من الحوار للتوصّل الى عملية إنتقال للسلطة في الوقت الذي استعاد زخم المبادرة وبدأ اكتساح مناطق واسعة من الأراضي التي كان فقد السيطرة عليها في السنوات الماضية.

ثانياً، لن توقف روسيا ضرباتها الجوية والصاروخية ضد مُعارضي النظام، لأن بيان مجلس الأمن لم يشمل الإرهابيّين في عملية وقف النار، وموسكو تعتبر كل من حمل السلاح في وجه النظام السوري إرهابياً.

ويبدو أن الغرب المُتهافت الآن للحصول على عقود تجارية مع إيران سلّم بأن الروس يهيمنون على الأجندة في سوريا، ويعتقد أن العقوبات الأوروبية، وانخفاض أسعار النفط وانهيار الروبل الروسي وارتفاع النفقات العسكرية وزيادة الإنشقاقات الداخلية، كفيلة بإضعاف قبضة الحكومة المركزية الروسية، والدفع في اتجاه تحوُّل دراماتيكي في الهيكل الروسي في النهاية.

وفي المقابل، هناك من يعتبر أن اندفاعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، في أضخم عملية عسكرية لبلاده في الشرق الأوسط منذ الحرب الباردة، مَنَحته قوة التفاوض التي سعى إليها، وهو يحاول حصد مكاسب أكبر رهان عسكري في حياته. كما يأمل في أن يرفع الإتحاد الأوروبي العقوبات عن بلاده أو يُخفّفها.

تؤكد مصادر إستخبارية دولية أن الفوضى لن تنتهي في الشرق الأوسط في المدى القريب، في حين ترى «واشنطن بوست» حرباً عالمية مصغّرة تشتعل في حلب، وقد تتحوّل إلى حرب واسعة.