لاحظ مسؤول قواتي رفيع، أن الأزمة التي تعيشها البلاد ليست وليدة اللحظة السياسية الراهنة، إنما هي نتاج التراكمات وعدم التعاطي بجدّية مع هذه الأزمة، والإستخفاف بخطورة الواقع الإقتصادي، وبالتالي، فإن البلاد لم تصل إلى الواقع الحالي، إلا بفعل ثلاثة عوامل أساسية:
ـ الأول نتيجة الصراعات السياسية التي أعطت الأولوية للإشتباك السياسي، فيما كانت البلاد بأمسّ الحاجة إلى الإستقرار السياسي، مما ساهم في تسريع عجلة الإنهيار.
ـ الثاني مرتبط بغياب الخطة الإقتصادية الواضحة منذ اللحظة الأولى لانتخاب الرئيس ميشال عون، حيث أنه كان يفترض وضع الخطط الإقتصادية الضرورية لتفادي الوصول إلى الواقع الراهن، إذ على الرغم من الفراغ الرئاسي الطويل، وعدم حصول الإنتخابات النيابية، فإن الأمور لم تصل يوماً إلى ما وصلت إليه اليوم إقتصادياً ومالياً، حيث كان من المفترض، ومنذ اللحظة الأولى لحصول التسوية الرئاسية، المباشرة بمعالجة الأزمة الإقتصادية، خصوصاً وأنه كانت هناك فرصة حقيقية في ظل توافق القوى السياسية، أي «الثنائية المسيحية» و«الثنائية الشيعية» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الإشتراكي، ولكن للأسف، ذهبت الأمور باتجاه المواجهة السياسية، ولم يتم إيلاء الأمور الإقتصادية الإهتمام اللازم.
الثالث هو غياب النوايا الحقيقية للإصلاح، حيث استمرّ التعاطي مع الشأن العام والملفات الإقتصادية على طريقة «الترقيع» بعيداً عن المعالجات الجدّية المطلوبة.
وأكد المسؤول القواتي، أن «الترقيع» كان الأساس في التعامل، بدل المقاربة الحقيقية، وذلك بدلالة ما حصل في الأشهر الأخيرة، عندما رفضت «القوات اللبنانية» التصويت على موازنة ال2019، لأن هذا الرفض جاء ليثبّت استشراف «القوات» في محطتين: أولها فترة الفراغ الحكومي، ثم الإنتخابات الرئاسية، فمرحلة تشكيل الحكومة، حيث طلبت «القوات اللبنانية» بأن تجتمع الحكومة على موقف واحد في مواجهة التحديات الإقتصادية، لكن البعض رفض هذا الأمر لأنه كان يريد الوصول إلى حكومة بمقاييسه ومعاييره، ويريد استخدام ورقة الفراغ الحكومي، من أجل الضغط لانتزاع الثلث المعطّل، وبالتالي، لو تم التعامل بإيجابية مع خطوة «القوات» وجرى وضع خطة إقتصادية آنذاك، لما كانت الساحة الداخلية وصلت إلى ما وصلت إليه من تفاقم للأزمة الإقتصادية.
أما المحطة الثانية، فتتمثّل في إصرار «القوات» على تضمين موازنة العام الحالي إجراءات إصلاحية، وذلك على الرغم من التباين الذي حصل بين حلفاء لها، نتيجة رفضها موازنة 2019، ولكن ما طرحته «القوات» كان في مكانه، وهو ما أكده السفير بيار دوكان لاحقاً، عندما قال بأن أي موازنة من دون إصلاحات لا تؤدي الهدف المطلوب، وبالتالي، فالمطلوب إصلاحات سريعة انطلاقاً مما سمعه الرئيس سعد الحريري في باريس حول ضرورة إجراء هذه الإصلاحات من أجل حصول الإستثمارات.
وعلى هذا الأساس، يقول المصدر القواتي، قدّمت «القوات» مجدّداً خطة رؤيوية واضحة وتفصيلية لكيفية تطبيق الجوانب الإصلاحية، وقامت أولاً بربط نزاع من خلال رفضها التصويت على موازنة 2019، وربط النزاع مع موازنة 2020، وأصرّت على تشكيل لجنة خاصة للإصلاحات، وتشكّلت انطلاقاً من إصرارها، حتى أنها عندما لاحظت أن هناك تمييعاً، هدّدت بالخروج منها من أجل فرض موضوع الإصلاحات. وأضاف، أنه في هذا الوقت، أتى موقف الوزير جبران باسيل، الذي انسجم مع موقف «القوات»، انطلاقاً من أنه رأى أن الأمور ذاهبة باتجاه الإنهيار، وأن «القوات» لن تساوم أو تتراجع عن موقفها، وبالتالي، وجد أن أي انهيار سيتحمّله العهد، كما أن عدم السير بالإصلاحات سيظهر أنه لم يلتقط الفرصة لإنقاذ البلد، وهي فرصة عملت «القوات» باتجاه تحقيقها، لأنها تعتبر أنها فرصة لبنان واللبنانيين، وليست فرصة ل«القوات» ذلك أن أي انهيار للبلد هو انهيار للجميع.
وخلص المسؤول القواتي، إلى أن تركيز «القوات» على الورقة الإصلاحية، يأتي انطلاقاً من حرصها على الإصلاح، وأيضاً من رفضها لمنطق المحاصصة، وهو ما ظهر واضحاً من خلال اقتراح القانون الذي قدّمته بخصوص اعتماد آلية للتعيينات، ولذلك، فإن الإلتزام بالمقاييس والمعايير التي تحقّق بناء الدولة الحقيقية، هو الذي يحمي لبنان، ويحول دون انزلاقه نحو الهاوية.