بروفسور جاسم عجاقة
يقف لبنان اليوم أمام تحدٍ كبير وهو تحفيز النمو الإقتصادي بهدف إخراج البلد من الدوامة المالية التي تعصف به. هذا الأمر يفرض وضع خطّة إقتصادية تُحدّد على الأمد القصير الإجراءات الضرورية وعلى الأمد البعيد إعادة هيكلة الإقتصاد. وتُشكّل سياسة المربع الذهبي أداة أساسية لمواجهة التحديات على الأمد القصير.
بحسب النظرية الإقتصادية، تهدف السياسات الإقتصادية إلى تنظيم وتحفيز الإقتصاد من خلال عدد من الإجراءات القانونية والمالية والإدارية.
وتنقسم هذه السياسات إلى قسمين: السياسة المالية وهي من مهام الحكومة، والسياسة النقدية وهي من مهام المصرف المركزي. وعلى الرغم من إنضوائهما تحت لواء السياسة الإقتصادية إلا أن هاتين السياستين مُستقلّتين ويطلب القانون بوضوح من السلطات النقدية دعم السياسة المالية للحكومة من خلال إعتماد سياسة نقدية مؤاتية.
أرقام الإقتصاد اللبناني غير مُشجّعة وتُشير إلى شبه ركود إقتصادي. فالنمو الإقتصادي لن يفوق في أحسن أحواله (في ظل إستمرار الأمور على ما هي عليه) الـ 1.8% هذا العام مع نسبة تضخّم قاربت الصفر نهاية العام 2016 وعجز في ميزان المدفوعات في الأشهر الستة الأولى من 2017 بنسبة 2.2% من الناتج المحلّي الإجمالي وبطالة تفوق الـ 35%.
المربّع الذهبي
لماذا التركيز على هذه المؤشرات؟ السبب يعود إلى أن هذه المؤشرات تُشكّل الأساس لسياسة إقتصادية تُعرف بـ«المربّع الذهبي» للباحث الإقتصادي البريطاني «كالدور». وتنصّ هذه السياسة على نمو إقتصادي مُستدام مع بطالة مُنخفضة وتضخم مقبول وفائض خارجي يُترجم في ميزان المدفوعات.
وهنا يبرز التحدّي الأساسي للحكومة والمصرف المركزي من ناحية أنه لا يُوجد إجراء واحد كفيل بتحسين هذه المؤشرات الأربعة في نفس الوقت. فإذا كان النمو الإقتصادي يُخفّف من البطالة إلا أنه يرفع التضخّم وبالتالي هناك إلزامية رفع الفوائد لتدارك هذا التضخمّ مما يعني لجما للنمو الإقتصادي. من هذا المُنطلق نرى أن هناك عملية مُتقنة يتوجّب على السلطات إجرائها لكي تحقّق الأهداف المنشودة.
ميزة هذا المربّع أنه يحتوي على أهمّ عناصر في الماكينة الإقتصادية وهي تخضع لنماذج معروفة. فكلّما إنخفضت البطالة إرتفع التضخّم والعكس بالعكس وذلك طبقًا للعلاقة بين التضخّم والبطالة (Philipps Curve). من ناحية أخرى ينصّ قانون «أوكون» على أن النمو الإقتصادي يعني خلق فرص عمل وبالتالي نرى أن هذا المربّع يُشكّل أداة أساسية وضرورية لشبك محاور الماكينة الإقتصادية.
يبقى القول أن هذا المربّع الذي هو من صلب النظرية الكينزية، تمّ إنتقاده من قبل بعض الإقتصاديين العاملين في النظرية النقدية لكن هذا الإنتقاد يبقى غير صالح في حال لبنان نظرًا الى أن الإقتصاد اللبناني لا يحوي التعقيدات التي نجدها في الإقتصادات المُتطوّرة مثل الإقتصاد الأميركي مثلًا.
سياسة تحترم المربّع الذهبي
الإقتصاد اللبناني بحاجة إلى العديد من الإصلاحات. لكن هذه الإصلاحات قد تأخذ الكثير من الوقت لإجرائها. وبالتالي هناك عدد من الخطوات الواجب تنفيذها على الأمد القصير لكي يتمّ تدارك الوضع الإقتصادي ومن خلاله الوضع المالي.
النمو الإقتصادي أساسي في كل ماكينة إقتصادية لأنه يُجسّد خلق ثروات وبالتالي، توزيع هذه الثروات على اللاعبين الإقتصاديين (الأسر والشركات) من خلال العمل والإستهلاك وعائدات الإستثمارات. وبقولنا هذا نكون قد شملنا سوق العمل والتضخم والقطاعات الإنتاجية وبالتالي الإستثمارات التي تبقى الأساس لأي نمو إقتصادي.
إذًا، تأتي الإستثمارات على رأس ما يتوجّب العمل عليه لدفع عجلة النمو. ويأتي إقرار مشروع الشراكة بين القطاع العام والخاص ليُعزّز الإستثمارات، لكنه في حاجة إلى مراسيم تطبيقية تُحدّد عددًا من النقاط التي ما زالت تنقصه. وهنا نرى إلزامية القيام بوضع سياسة ضريبية مؤاتية لمواكبة الإستثمارات الخاصة خصوصًا أن المالية العامّة للدوّلة لا تسمح للقطاع العام بأي هامش تحرّك على هذا الصعيد.
وقد يقول البعض أن السياسة الضريبية التحفيزية قد تؤدّي إلى زيادة العجز في الموازنة، إلا أننا نرى أن هذا العجز مؤقّت من ناحية أن عائدات الإستثمارات لن تتأخر بالظهور (سنة إلى سنتين) وبالتالي، هناك عائدات ضريبية لاحقة ستأتي.
بالطبع هناك أيضًا إلزامية على الحكومة للعمل على وضع آلية لضمان الشفافية في المناقصات العامّة التي يفتقر اليها لبنان لأن في ذلك عامل جذب للإستثمارات كما ولائحة بالمشاريع ذات المنفعة العامة التي لها جدوى إقتصادية.
من المعروف أن الإستثمارات تتطلّب يدا عاملة للقيام بالعمل وبالتالي، هناك إلزامية من قبل الدولة لحماية اليد العاملة اللبنانية من منافسة العمالة الأجنبية عبر تطبيق القوانين وعلى رأسها إلزامية الكوتا (10% كحد أقصى تُحدّد من قبل وزير العمل) مع إحترام خصوصية بعض القطاعات.
كما يتوجّب على الحكومة أن تفرض على الشركات نشر حاجاتها للتوظيف في المكتب الوطني للإستخدام لمدّة شهر أقلّه لكي يتسنّى للعامل اللبناني الإطلاع عليها. وإذا لم يتقدّم أي لبناني لهذه الوظيفة، يُمكن عندها السماح للشركة بتوظيف عامل أجنبي.
بالطبع الإستثمارات وإنخفاض البطالة ستخلق تضخّما في الإقتصاد. وهنا يأتي دور مصرف لبنان في حماية العملة الوطنية من خلال أدواته المعروفة (أسعار الفوائد والكتلة النقدية والإحتياطي الإلزامي). اليوم ومع معدّلات تضخم تُقارب الصفر لا خوف على تغلغل التضخم في الماكينة الإقتصادية.
يبقى ميزان المدفوعات الذي يتأثر بالدرجة الأولى بالميزان التجاري وبالدرجة الثانية بالتدفقات المالية. وقد إستطاع مصرف لبنان من خلال هندساته المالية السيطرة على ميزان المدفوعات عبر جعله يُسجّل فائضا في العام 2016 بقيمة 1124 مليون دولار أميركي، إلا أن العجز في الميزان التجاري (15 مليار دولار أميركي سنويًا) يُشكّل ضغطًا سلبيًا على ميزان المدفوعات.
من هذا المُنطلق نرى أن هناك إلزامية على الحكومة أن تعمد إلى وضع لائحة بأول 20 مُنتجا يستوردهم لبنان ودراسة إمكانية القيام بصناعة هذه السلع محلّيًا لأن ذلك يؤدّي الى تحسين في القطاعات الإنتاجية وتأمين وظائف عمل إضافية وتخفيف العجز في الميزان التجاري.
يبقى أن الإرادة السياسية يجب أن تُترّجم من خلال الإجراءات السابقة الذكر. فهل تكون موازنة العام 2018 موازنة تحوي خطّة النهوض؟
التفاح «أخطر» من الإرهاب!
جوزف طوق
وقفت سامية في المطبخ أمام المجلى محتارةً ماذا تضع لأولادها في السندويش قبل ذهابهم إلى المدرسة، فغرفة المونة نفضت خيراتها منذ أكثر من شهرين، والبرّاد ليس فيه غير رفوفه الباردة التي تحنّ إلى قالب بلغاري ووقية مرتديلا، وكلُّ مكان في البيت مخصّصٌ لحفظ الطعام تقاعَد من عمله قسراً…
فتّشت كثيراً ولم تجد سوى منتوجات التلفزيون، فتناولت منه خطاباتٍ حامية ومرغتها على رغيفٍ لتسدَّ جوع أولادها حتى الظهر. وفي الطنجرة وضعت كمشة وعود باردة وتحالفاتٍ بالية وطربوشَ البيك المعتّق وتواريخَ المعارك المقدّسة وحرّكتها حتى تنضج قبل أن يعود زوجها من مشوار تحصيل تعويضات مزارعي التفّاح الباقية من الموسم الماضي.
الدكنجي والصيدلي والخضرجي واللحام باتوا يرفضون بيع المزارع بعدما خلف بكلّ وعوده لهم بالدفع، وهذا المعتّر يعيش على وعود الدولة بسداد مبلغ 5000 ليرة لبنانية عن كلّ صندوقة تفّاح منذ أكثر من عام، هذه الـ5000 التي تحوّلت إلى 3000 ومن ثم 2000 وحتى 1000 ليرة.
يعني بكلام آخر، الذي ينتج مثلاً ألف صندوق تفّاح كان من المفروض أن يتقاضى 5 ملايين ليرة يسدّد بها ديونَه وقليلاً من أقساط المدارس وثمن شويّة مازوت للتدفئة في الشتاء، لكن شرط الحقلة أصبح مسخرة على بيدر الدفع، بعد أن احتسبوا له 1000 ليرة فقط عن كلّ صندوقة، ودفعوا له نصف المبلغ، أي 500 ألف ليرة على أن يحصِّل الباقي لاحقاً… مبلغ لا يكفي حتى لدفع ثمن كمّون وعود الدولة ومسؤوليها ومخترعي قوانينها الانتخابية، وثمن تحالفاتهم الصادقة والشفّافة لدرجة دمعت لها عيون الجالية الفينيقية في بلاد فرعون، وهلّل لها الرهبان القديسون في وادي قنوبين وأرز تنورين وأحراج جزين، آمين.
جمال باشا السفّاح فرض عام 1914 حصاراً على جبل لبنان لإخضاع أهله وإسكاتهم بالجوع والموت أو التهجير… وفي الـ2017 هناك طبقة سياسية رأسمالية إقطاعية ميليشياوية لم تنتبه بعد إلى أنّ أفعالها قد تضاهي سياسة السفّاح في عزّ عطائه.
بواسل الدولة القوية يلفّون على حكومات العالم وجاليات الاغتراب، ولم يرجع واحدٌ منهم باسم سوبرماركت في بوسطن أو عربية خضرة في سيدني مستعدّة لشراء التفاح اللبناني… ويدورون على مرجعيات الطوائف وينظّمون المهرجانات الخطابية بحضور حيتان المال، ولم يجد واحدٌ منهم فرخَ سردين مال يدفع ثمن جوع المزارعين بشركة تصنيع مربّيات وخلّ وعصير…
يلفّون ويدورون ولا يفكّرون في شراء كرامة أولئك المفروض أنهم الناخبون والمأتمنون على حماية إرث البيك والستّ وسليلتهما من عام 1972 مروراً بالـ2005 وإلى ما بعد الـ2020.
لا تفتحوا التحقيق في قضايا الإرهاب وداعش فقط، بل حقّقوا لتعرفوا مَن سرق تعويضات مزارعي التفّاح وإلى جيب أيّ سمسار سياسة ذهبت، ومَن سلب أهل القرى سببَ وجودهم وصمودهم؟
فالإرهابُ الذي تمرّغون الشاشات والإذاعات بأهواله وأخطاره لا يخيف مُزارع التفّاح، بل تُرعبه فكرة أن تبقى حبيبة قلبه الصندوقة يتيمةً في الأرض، ولا يجد مِن بعدها في جيبه ما يكفي لإطعام أحفاده وتعليم أولاده وتزويج بناته ودفن أحبابه ودفع فواتير وجوده…