المشهد اللبناني كطقس أيلول:
ماطر وصحو وضباب وبرودة وحرارة، كلها في آن واحد.
فالمشهد من لاهاي كان واعياً.
والمشهد من ستراسبورغ كان مريحاً.
والمشهد من بيروت كان ثقيلاً.
والمشهد من القاهرة كان قلقاً.
***
المشهد البيروتي ثقيلٌ لأنَّ قطار تشكيل الحكومة عالق عند أكثر من محطة، ولا إمكانية لتجاوزه هذه المحطات في ظلِّ رفع الجدار من الأطراف السياسيين في وجه بعضهم البعض. وشدُّ الحبال الحاصل حالياً لا يؤشِّر إلى أنَّ الأمور اقتربت من الحل. فكلُّ فريق على موقف وليس هناك ما يؤشِّر إلى أنَّ أيَّ فريقٍ سيُقدِّم تنازلات للفريق الآخر، علماً أنَّ الجميع يعي دقة الوضع، والمخاطر التي تتربص بلبنان.
***
المشهد من لاهاي كان متمايزاً، فيه من الوعي ما يؤشِّر إلى أنَّ مسار لاهاي غير المسار السياسي في بيروت، وهذا ما أصرَّ عليه الرئيس المكلَّف سعد الحريري بقوله من لاهاي:
اليوم هو يوم صعب… وعندما يكون الإنسان في الموقع الذي أنا فيه اليوم يجب أن يضع مشاعره جانباً.
لم يكتفِ الحريري بهذا الكلام بل ذهب أبعد من ذلك قائلاً:
خلال أشهر سيصدر الحكم وعندها تتحقق العدالة ولو استغرقت بعض الوقت، ومع مرور الزمن يصبح الإنسان أكثر هدوءاً. هكذا لا ربط بين المحكمة وتشكيل الحكومة حيث أوضح التالي:
فليتوقفوا عن الطمع بالحقائب وعندها تتشكل الحكومة.
***
لكن المشهد من لاهاي لم يقف عند هذا الحد، فهو سيستمر لأسبوعين تقريباً، خصوصاً أنَّ المحكمة طرحت على جهة الإدعاء أي على المدَّعي العام الذي قدَّم مرافعته حوالى ثلاثين سؤالاً، وسيعكف على دراستها للإجابة عنها، ومن هذه الأسئلة استفسارات عن معطيات جديدة تضمَّنها الإدعاء وكذلك أسماء جديدة على علاقة بالجريمة.
كذلك طرحت المحكمة أسئلة على وكلاء الدفاع أي وكلاء المتَّهمين، وأسئلة إلى وكلاء المتضررين.
إعداد الأجوبة لتقديمها سيتمُّ في الأيام العشرة الأخيرة، وبعد ذلك تعكف المحكمة على دراسة الملف ككل تمهيداً لإصدار حكمها في مطلع سنة 2019.
***
ومن مشهد لاهاي إلى مشهد ستراسبورغ، كلُّ الهواجس اللبنانية وضعها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام البرلمان الأوروبي، وعلى رأسها ملف النازحين السوريين حيث رفض ربط عودتهم بالحل السياسي في سوريا.
رئيس الجمهورية بلغ مرحلة متقدمة من كلمته حين وجّه انتقادات للسياسات الدولية التي ساعدت على تفشي الأصوليات ورفع منسوب العنف، متهماً هذه السياسات بدفع العدو الإسرائيلي إلى تهويد القدس وإعلانها عاصمة له.
لكن في المقابل رسم صورة مشرقة لمستقبل لبنان فخاطب اللبنانيين الذين التقاهم بالقول:
نحن لسنا شعباً يائساً بل نحن شعب نقاوم في الأزمات، نحن اليوم رابحون ولا نخاف من مجرد الكلام ولا تصدقوا من يقول لكم إنَّ العهد فشل، لأنَّ هذه أمنية من لا يرى الخير إلا في نفسه. أطلب منكم أن تظل معنوياتكم عالية وتترفعوا عن الإشاعات والفضائح. هناك طبعاً فساد ولكن من يتكلم عن الفضائح عليه أن يقدم معلومات، والكثير في هذا الكلام هو فقط لضرب معنويات الناس. وإن شاء الله لبنان الذي نبنيه سيكون مزدهراً أكثر من فترة الحروب التي حصلت. يقولون إنَّه ليس هناك حكومة اليوم، ولكن هذا من ضمن اللعبة الديمقراطية كما تعرفون، لأنَّ عليك أن تصل أحياناً إلى حلٍّ توافقي وهذا ليس سهلاً في بلد تعددي، ولكن سنصل في النهاية إلى تشكيل حكومة ونعمل من أجل المستقبل.
***
المشهد من القاهرة كان أيضاً مثيراً للإهتمام.
فكلمة لبنان في الإجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية المخصص لدرس وقف المساعدات الأميركية عن الأونروا، والتي ألقاها وزير الخارجية جبران باسيل، كان فيها دقٌّ لناقوس الخطر بإعلانه:
كفى تكسيراً لإرادة الحق ولكرامة أصحاب الحق، لأنَّ التكسير لن ينجو منه أحد.
***
ربما الكلمة الأخيرة تنطبق على الواقع اللبناني، وهي:
التكسير لن ينجو منه أحد.