Site icon IMLebanon

الفقراء الذين أصبحوا 94% هي نتيجة العهود منذ حوالى 10 سنوات وليست الإقطاعيّة

 

 

«الحريّة» و«العدالة في توزيع الثروات» هما الأسس في دولة الرفاهية Welfare State) ) . هذا ما نصّت عليه المبادئ الأساسية للاقتصاد السياسي الذي كتبه الباحث الاقتصادي جون ستيوارت ميل في العام 1849!

 

من المعلوم أن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم في العام 1929، دفعت إلى تدخل الحكومات من أجل تنظيم الآليات الاقتصادية أي أن تكون هناك سياسات اقتصادية واجتماعية. وهنا أظهر العديد من الباحثين أننا أمام معضلة بين الليبيرالية الاقتصادية وتدخل الدول في الاقتصاد. وهذا الأمر قامت به حكومات مُعظم الدول ذات التوجّه الاقتصادي الحرّ مما جعلها تتطوّر اجتماعيا واقتصاديا. أمّا في لبنان، فقد أدّى الانقسام السياسي الذي يعيش اللبنانيون منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، إلى منع وجود سياسات اقتصادية واجتماعية على الرغم من وجود عشرات الألوف من الصفحات التي تصف السياسات الواجب القيام بها.

 

ارتفاع عدد الفقراء بنسبة 94%

 

هذا، وارتفع عدد الفقراء الى 94% منذ حوالى 10 سنوات وأكثر بقليل في زمن الرئيس لحود مع الجهاز المدني الأمني اللبناني – السوري الذي واكبه وتم الغاء الحريات مما ابعد الاستثمارات عن لبنان وحصلت اكبر فضيحة بتاريخ لبنان هي فضيحة بنك المدينة الذي تمت لفلفة الموضوع وبقاؤه عند المدعي العام سعيد ميرزا وهو ما يزال حتى اليوم. وقد دفع صاحب المصرف السيد عدنان أبو عياش، الذي يعمل في السعودية، 925 مليون دولار هي كامل الودائع في المصرف التي تمت سرقتها من مسؤولين وجهات أخرى وصولا الى يومنا حالياً حيث لا خطة اقتصادية تم اعتمادها.

 

ذلك انه في زمن وزير المالية جورج القرم ورئاسة الحص ورئاسة لحود ارتفع الدين العام من 18 مليار دولار الى 25 مليار دولار خلال سنتين فقط.

 

تاريخ لبنان الحديث منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا أظهر أن السياسة أدت دورا سلبيا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والاداري باستثناء فترة الرئيس فؤاد شهاب من 1958 إلى 1964 حيث ساعده وجود المكتب الثاني بفرض هيبة الدولة وبالتالي فرض الإصلاحات الإدارية والسياسية والإجتماعية.

 

غياب الثقة بين مكونات الشعب اللبناني جعل من اختلاف الانتماء الديني، عنصراً أساسياً لتفشّي الفساد والمحسوبيات مدعومة بتدخّل خارجي كبير في الحياة السياسية. وأتت الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لتزيد من غياب الثقة وأصبح الانتماء الديني والحزبي يفوق الانتماء للوطن. ولم تنجح السياسة في الخروج من هذا الواقع بعد انتهاء الحرب، بل على العكس تمّت قوننة هذا الاختلاف من خلال المحاصصات السياسية التي أصبحت أعرافاً لها قوّة أكبر من القانون (!!) بحكم أن عدم احترامها يعني ضرب السلم الأهلي في حين أن هناك أكثر من 50 قانونا في الدولة اللبنانية غير مُطبّقين.

 

نعم فشلت السياسة «اليدوية» (حتى لا نستخدم تعبيراً آخر) في خلق «دولة الرفاهية» التي طالب بها جون ستيوارت ميل. ويُمكن القول أن هذه السياسة شرّعت الفساد الذي أدى دوّرا سلبيا كبيرا إلى حدّ وصول لبنان إلى حالة من الزعزعة المالية التي تُهدّد الأمن الاجتماعي.

 

مركز القرار وفصل السلطات

 

هناك عدد من مراكز القرار في الاقتصاد (الأسر، الشركات،

 

الحكومة، الديانات…) وكلها تصبّ في منطق «مصالح المجموعات»، مما يعني أنها قد تتفق أو تتضارب فيما بينها. حتى داخل المجموعة الواحدة، هناك تضارب على مثال تضارب القوانين داخل الدولة.

 

فصل السلطات هو معضلة نشأت مع نشأة الكون حيث انه من جهة هناك أقليّة تتمتع بالثروة والسلطة، ومن جهة أخرى هناك الآخرون الذين يُعانون في المجتمع ويُطالبون السلطة بأن تأخذ بعين الاعتبار وضعهم الاقتصادي والاجتماعي. وقد طرح المُفكّر جون لوك في كتابه «مُعاهدة الحكم المدني» (1690) العلاقة بين المصالح، والأفضلية وصنع القوانين. و«يتعملق» لوك بالقول «لا وجود للحرية إذا لم يتم فصل سلطة القضاء عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية».

 

بعض الانتقادات التي تمّ توجيهها للنظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، نصّت على أن الدوما بحد ذاتها كان تُشكّل طبقة اجتماعية تتمتّع بمخصصات لم يكن عامة الشعب يتمتعون بها. من هذا المُنطلق، نرى أن الحاكم يتصرّف أكثر من منطلق «المالك» ويستخدم صلاحياته خدمة لمصالحه في الدرجة الأولى!

 

هذا الواقع خلق نموذجاً «مُشوّه» من فصل السلطات التي تدّعيها القوى السياسية الحاكمة حيث أصبح فصل السلطات يعني «توزيعاً بسيطاً للمهام داخل القوى السياسية نفسها» مع إلزام السلطة القضائية تنفيذ القرارات السياسية (مارسيل مونان ( 2016).

 

أزمة حكم؟

 

من أهمّ أسباب تردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان هو غياب عدالة توزيع الثروات. فمعرفة أن 67% من الشعب اللبناني يمتلكون ثروة فردية تقلّ عن 10 ألاف دولار أميركي كفيلة بطرح السؤال «كيف ينام سياسيو لبنان مُطمئنين؟»

 

يقول جون ستيوارت ميل في كتابه إن اعتبار الاقتصاد من العلوم القاسية Sciences dures)) هو أمر صحيح من ناحية تطبيق المعادلات الحسابية في ما يخص الإنتاج والاستهلاك والاستثمار وغيرها. لكن يرفض اعتبار الاقتصاد من العلوم القاسية في ما يخصّ توزيع نتاج العمل (أي الثروات) ويعتبر أنها تنبع من العلوم الإنسانية، أي بمعنى آخر لا منطق في توزيع الثروات إلا المنطق الإنساني. هذا الأمر فسّرته الاقتصادات المُتطوّرة ذات الصبغة الاجتماعية على أنه توزيع للثروات كلٌ بحسب مساهمته في الاقتصاد مع إلزامية منع الاحتكار وخلق فرص عمل لكل مواطن.

 

بالطبع النظام الاقتصادي في لبنان هو اقتصاد حرّ ليبيرالي، إلا أن هذا الاقتصاد تشوبه علّتان الأولى تتمثل بالاحتكار والثانية الفساد. من هذا المُنطلق تحوّل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد إقطاعي يأخذ فيه الإقطاعي القسم الأكبر ويترك الفتات للآخرين. وتزيد ثروات الإقطاعيين بحسب الاتفاق السياسي القائم بين أصحاب النفوذ الذين وبحسب النظرية يعملون على مصالحهم بالدرجة الأولى!

 

يستند مفهوم الكائن البشري كفرد الى حساب عقلاني للمصالح والتعليم الذي يجعل من الممكن تحسين تنمية الطبيعة البشرية العقلانية والحسابية. هذا ما نصّت عليه فرضيات نموذجية قام بها العديد من الباحثين (جايمس ميل، جريبمي بنتام…). هذا الأمر يعني أن العقل الإنساني قادر على حلّ أي مشكلة سواء كانت نظرية أو عملية (سياسية أو قانونية أو اقتصادية) وبالتالي تفتح الباب أمام مشروع إصلاحي لهذه المشاكل. وهنا نتساءل: أين نحن في لبنان من هذه المنهجية؟ بالطبع الجواب واضح: المصالح الخاصة تفوق المصلحة العامة وبالتالي الأزمة التي نعيشها هي أزمة حكم والحلّ يبدأ من هناك.

 

يقول ميل ان «الدستور الديموقراطي، الذي لا تدعمه المؤسسات الديموقراطية بالتفاصيل، ويقتصر على الحكومة المركزية، ليس فقط نظاماً فيه غياب للحرية السياسية بل هو نظام يخلق في كثير من الأحيان نتائج مُعاكسة للديموقراطية!».

 

في فلسفة جون ستيوارت ميل، للفرد أهمّية أعلى من أهمّية الدولة، وهذا يفرض على هذا الفرد التصرّف من منطلق المصلحة العامّة مما يعني الحدّ من تدخل الدولة في اللعبة الاقتصادية. هذه الرغبة في الحدّ من تدخل الدولة نابعة من عجز السياسة عن الإهتمام بالواقع الاجتماعي للفرد ونظرا إلى المصالح الخاصة للطبقة الحاكمة.

 

بالتوازي مع مسؤولية الفرد، هناك مبدأ التنافسية حيث يتوجّب على الدولة أن تضمّن هذا المبدأ من خلال القوانين ولكن أيضا من خلال التطبيق. وتبرير هذه المبدأ نابع من منطلق أن ضمان العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، يمرّ إلزاميا من خلال ضمانة قيام الفرد بالإبداع وبتطبيق أفكاره ضمن احترام القوانين العامة. بالطبع، الاحتكارات في لبنان تمّنع تطوّر المجتمع وتُركّز الثروات في فئة مُعيّنة عادة قريبة من السلطة السياسية.

 

يبقى القول انه في ظّل هيمنة المصالح الاقتصادية على أصحاب القرار في الدولة، من الصعب جدا على السلطة السياسية أخذ قرارات في الاتجاه الذي يخدم المصلحة العامّة. هذا الأمر عالجه العديد من الباحثين الذي يُشدّدون على كسر هذه الهيمنة من أجل قرارات تصبّ في مصلحة المجتمع والفرد. ومن الإجراءات المُقترحة، نزع القرار الاقتصادي من يدّ السلطة السياسية ووضعه في يدّ الإدارة العامّة العليا مع التأكيد على دفع أجور مرتفعة لهذه الفئة تمنع رشوتهم مع إلزامية إبراز مصادر ثروتهم للرأي العام في كل وقت. أيضا يقترح الباحثون آلية قانونية لإبطال أي قرار فيه تضارب للمصالح. بالطبع كل هذا لا يُمكن أن يكون إلا من خلال وعي المواطن ومحاسبة ممثليه في الانتخابات النيابية والبلدية.

 

لا يختلف إثنان على أن الوضع الإقتصادي والمالي والاجتماعي الحالي في لبنان هو نتاج غياب كلّي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية وتفشّي الفساد. وإذا كان من المفروض على المواطن محاسبة مُمثّليه في الانتخابات (النيابية والبلدية)، إلا أننا نرى أن المواطن اللبناني يعيش في حالة تُسمّى «الضفدعة المغلية» في علم الاجتماع حيث تُستخدم هذه العبارة لوصف الشعوب التي لا تنتفض على السلطة السياسية نتيجة أدائها الاجتماعي والاقتصادي السيىء.