لا تزال دوائر كنسية تتحدث عن رفض الكرسي الرسولي تلبية الدعوات المتكررة إلى البابا فرنسيس لزيارة لبنان، مشيرة إلى أسباب جوهرية وراء ذلك عبارة عن وقائع عن الفتور بين الدولتين.
في غمرة الأحداث السياسية محلياً، وانشغال السلطات الرسمية بالإعداد لمؤتمرات دولية لدعم لبنان، رددت أوساط كنسية وسياسية رسمية أن البابا فرنسيس سيزور بيروت في الربيع المقبل، الى حد ذهاب البعض الى تأكيد موعد الزيارة في أيار المقبل. وعلى هذا الأساس، تحدثت أوساط مواكبة عن أن السفارة البابوية كانت قد بدأت تعدّ العدّة لهذا الحدث، كما كل الدوائر المعنية. لكن يبدو أن لا زيارة بابوية للبنان في هذه السنة، بحسب تأكيدات فاتيكانة «لأنه لا موجب لها». وأكدت مصادر كنسية غربية ولبنانية أن الفاتيكان رد على الدعوات الرسمية والكنسية التي وجهت إلى البابا فرنسيس لزيارة لبنان، بالرفض.
وقالت إن الفاتيكان أبلغ الدوائر المعنية أن البابا لن يلبي أي دعوة لزيارة لبنان، مشيرة الى أن الجواب لم يكن دبلوماسياً بالمعنى المتعارف عليه، كما جرت العادة، علماً بأن حجة الفاتيكان المعلنة أن لبنان استقبل البابا بنديكتوس السادس عشر بين 14 و16 أيلول 2012، في زيارة رسمية وقّع خلالها على إعلان السينودس الخاص بالشرق الأوسط تحت عنوان «الكنيسة في الشرق الأوسط – شركة وشهادة». وأشارت المعلومات الى أن الجواب الذي أعطي للسائلين في الفاتيكان على أسباب رفض الزيارة، أنه لا موجب للزيارة وأنه لا حدث استثنائياً يوجب حصولها، وخصوصاً أن آخر زيارة بابوية كانت قبل خمسة أعوام تقريباً، ولا يمكن وفقاً لذلك ترتيب زيارتين في وقت قصير لبلد واحد، فيما هناك روزنامة مواعيد بابوية أكثر إلحاحاً.
تعيين سفير لبناني يتقاعد في نيسان المقبل لم يَرُق الدبلوماسية الفاتيكيانية
لكن المصادر الكنسية الغربية واللبنانية أشارت الى أن الرفض وإن كان مبرراً، الا أنه يترك انطباعات ملتبسة، وخصوصاً هذه السنة حيث غاب السفير البابوي عن احتفال عيد مار مارون، لسبب بسيط، هو أن الفاتيكان لم يعين بعد سفيراً له في بيروت. وأشارت في معرض تقويمها للعلاقات الفاتيكانية اللبنانية الحالية، إلى أن عدم تحديد موعد الزيارة كان يمكن اعتباره أمراً طبيعياً ويدخل ضمن نطاق ترتيب المواعيد البابوية. لكن أسلوب الجواب القاطع، أوحى بأن الأسباب الحقيقية للرفض هي الفتور الذي يحكم حالياً علاقة الكرسي الرسولي مع لبنان الرسمي. وتعيد هذه الأوساط التأكيد أن دوائر الفاتيكان لا تزال تتحدث أمام زوارها من إكليروس وعلمانيين، عن خطأ الدبلوماسية اللبنانية بتعيين سفير ينتمي الى محفل ماسوني لدى الكرسي الرسولي في سابقة لم تحدث منذ إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل سبعين عاماً. وتؤكد أن هذا التعيين، كما تعيينات مماثلة شابتها أخطاء حصلت مع دول أخرى، لا يمكن أن يمحى بسهولة في سجلات الفاتيكان.
وتضيف أن الخطأ الثاني هو أن لبنان أصر على التعيين، رغم الرسائل التي وجهت إليه بعدم القبول بالاسم المقترح، ولم يبال بالرفض البابوي، المستند الى حيثيات معروفة عن رفض كنيسة روما للماسونية. والخطأ الثالث أن لبنان عيّن سفيراً جديداً هو أنطونيو عنداري بدل السفير جوني ابراهيم، لكن السفير الجديد هو سفير موقت بالمعنى العلمي وليس القانوني، لأنه يحال على التقاعد في نيسان المقبل، الأمر الذي لم يرق الدبلوماسية الفاتيكانية. فالبابا قبل أوراق اعتماد السفير الجديد في كانون الثاني، فيما هو يستعد لمغادر منصبه بعد ثلاثة أشهر. وبما أن لبنان مقبل على انتخابات نيابية في أيار، فمن المرجح ألا يتم تعيين سفير جديد للبنان في الفاتيكان إلى ما بعد الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، مع ما يعني ذلك من مفاوضات شاقة للتأليف، ما يبقي المركز شاغراً رسمياً.
وتقول المصادر إن الفتور الحالي يترجم حتى الآن بعدم تعيين الفاتيكان سفيراً جديداً في لبنان، والسابقة التي حصلت في احتفال عيد مار مارون في حضور القائم بالأعمال البابوي كان يمكن تفاديها، من خلال العمل على تحسين العلاقة مع الكرسي الرسولي، وتوضيح النقاط العالقة. وتشير الى أن ثمة إصراراً رسمياً على نفي وجود نقاط تجاذب، لكن الفاتيكان حريص على بديهيات وتقاليد وأعراف في العمل الدبلوماسي لا يمكن أن يتخطاها، علماً بأن المصادر نفسها تشير الى أن الفاتيكان يمكنه في أي لحظة إرسال «قاصد رسولي» وهو الاسم المتعارف عليه للسفير، كموفد بابوي أو كسفير حين تدعو الحاجة الى ذلك. لكن الوقائع تشير الى أن ثمة إصراراً على تجاهل وجود مشكلة، الأمر الذي يضاعف أيضاً من استياء المعنيين في الفاتيكان. ويضاعف كذلك من الأسئلة عن عدم بت الكرسي الرسولي حتى الآن مسألة تعيين سفير له بعد تداول اسم قاصد رسولي فرنسي عمل سابقاً في بيروت، والإبقاء على مهمات السفارة في يدي القائم بالأعمال إيفان سانتوس الذي كان حريصاً على التذكير في كلمته أمام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كانون الثاني الماضي بـ»أننا ننتظر تعيين سفير بابوي جديد لدى لبنان العزيز».