IMLebanon

الإنتفاضة الشعبية نحو «التنظيم»: نرحب بجمهور الأحزاب.. لا بقياداتها

 

 

باتت المرحلة التي يمر فيها الحراك الشعبي تتطلب رؤية تقارب تطورات الإنتفاضة والمستجدات في البلاد بعين مختلفة، تعيد إطلاق زخم الثورة الشعبية وتنظمها لإبقاء جذوتها مشتعلة.

 

لعل الأمر يواجه تحديات مختلفة نتيجة الساحة الشاسعة والمتنوعة لمجموعات الحراك التي قد تختلف ببعض المسائل، لكن يجمعها رفض السلطة القائمة ومكوناتها. وقد تعرضت مجموعات كثيرة في الحراك لظروف موضوعية أدت الى اندماج بعضها وضمور البعض الآخر في الوقت الذي احتضن جسم الثورة في كل يوم الكثير من التيارات والشخصيات والشباب المتحمس من كل العقائد، وأحيانا من دون عقيدة واضحة أو توجه سياسي واضح.

 

«لقاء التغيير»

 

بعد نيف وأشهر أربعة من الإنطلاقة، بدأ الحديث جديا في صفوف المنتفضين عن توحيد جهود القائمين على الحراك. ودعت مجموعة من الأحزاب والقوى والتيارات والشخصيات السياسية والمجتمعية والشبابية والنسائية والنقابية والمهنية الى لقاء جامع في مسرح المدينة، هو الأول من نوعه، للتأسيس الى المرحلة المقبلة.

 

ربما جاء اللقاء متأخرا، لكنه مفيد في كل حال، وجمع العدد الأكبر من المنتفضين لإطلاق صرخة في وجه النظام الذي لا إمكانية لإصلاح البلاد من دون تغييره ورسم خارطة طريق للبنان المأمول من قبل هؤلاء.

 

تمخض عن اللقاء قرار بتنسيق الجهود وتجميعها في إطار ما سمي بـ«لقاء التغيير» – من أجل لبنان ديموقراطي. ويوضح عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات السياسية في «الحزب الشيوعي اللبناني» الدكتور حسن خليل لـ»اللواء»، أن أكثر من 450 شخصا من مختلف ساحات لبنان، شاركوا في اللقاء الشعبي في مسرح المدينة من مختلف المشارب والتوجهات في إطار عنوان وطني جامع.

 

«هي مواجهة شاملة مع هذا النظام الجاثم علينا منذ سنوات التسعين حتى اليوم، ونحن نرفض كل المنظومة التي تولت البلاد من حينها». يضيف: لا نشكل جزءا من أي انقسام سياسي بين أصحاب السلطة في لبنان، واللقاء ليس من ضمن أي تموضع سوى ما نادت به الإنتفاضة الشعبية».

 

بالنسبة الى خليل، لا شك لديه بالنقلة الأساسية التي حققها اللقاء، ويرد على استفهام في هذا الشأن، بتعداد المراحل التي سلكها الداعون، ومُذكرا بلقاء فندق «الكومودور» قبل شهرين، بالإضافة الى العديد من اللقاءات وورش العمل التي سعت ولا تزال إلى توحيد جهود المنتفضين. واليوم، مع رفض الحكومة القائمة التي لم تأت على مقاس الانتفاضة والتي سلكت طريق سابقتها في قراراتها بينما يشوب أداءها الإرباك في ظل الإنهيار الحاصل، «فقد طرحنا مجموعة من العناوين ودعونا الى أوسع إئتلاف من خارج منظومة السلطة يتفق عليها لتشكل برنامجاً للمواجهة في المرحلة المقبلة».

 

والواقع أن اللقاء وضع مخططه وفق أولوياته التي يتصدرها تصعيد الانتفاضة الشعبية، «التي ثبت أن لها من القوة والتأثير كي تستمر في بناء قواها، والمضي قدما لتحقيق التغيير الشامل للسلطة ونظامها السياسي والاقتصادي».

 

وتطرق المجتمعون الى نقطة بالغة الأهمية تجسدها الاستقلالية القضائية التي ستشكل عنوان تحركات كبيرة على الأرض في الفترة المقبلة، ودعوا الى «الالتزام بتطهير القضاء وتحريره، كما سائر مؤسسات الدولة، من التبعية السياسية والطائفية من خلال إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية ورفع أيدي قوى السلطة عن سائر إدارات الدولة ومؤسساتها، واسترداد الأموال والأملاك العامة المنهوبة وضبط مزاريب الهدر، ومحاكمة المسؤولين الفاسدين الذين تعاقبوا على السلطة منذ التسعينيات بعد رفع الحصانة عنهم، ورفع السرّية المصرفية عن حساباتهم وتجميدها».

 

وطالبت المجموعات المجتمعة بـ«حماية مصالح الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، في كل ما يتعلق بانهيار سعر صرف الليرة وانعكاسات ذلك على القوة الشرائية للأجر والمداخيل ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة للعمال والموظفين والأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسائر الصناديق الضامنة». إضافة الى كل ما يتعلق بتداعيات إعادة هيكلة الدين العام وآثاره المتوقعة على الودائع والإدخارات المصرفية، لا سيما الصغيرة والمتوسطة منها، وتحميل كلفة هذه الانعكاسات والتداعيات لكل من انتفع واستفاد وراكم الأرباح السهلة والكبيرة وهرّبها الى الخارج، متلطياً وراء السياسات العامة النقدية والمالية المتعاقبة، بما فيها الهندسات المالية».

 

كما طُرحت في اللقاء الشعبي مطالب تتعلق بتعزيز دور الدولة وبناء اقتصاد منتج وصيانة الحريات العامة، والأهم، إستئصال «نظام المحاصة الطائفية وتبعيته للرأسمال، والالتزام بتغيير السلطة السياسية المرتهنة للخارج، وتحرير القرار السياسي للسلطة».

 

كما كان تشديد على إقرار قانون انتخاب قائم على النسبية خارج القيد الطائفي، على صورة ومثال الإنتفاضة الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، تحت الإشراف الكامل لهيئة وطنية مستقلة، إضافة الى سن قانون مدني موحد للأحوال الشخصية، كجزء لا يتجزأ من عملية انتقال لبنان من الدولة الطائفية إلى الدولة المدنية.

 

إستغلال قوى السلطة؟

 

وبينما أعلن اللقاء عن مد اليد إلى كل قوى التغيير في لبنان، أشار الى رفض مطلق للتعاون قوى السلطة. وهو ما لفت إليه في البيان الختامي بـ«إدانة قوى العجز والفشل والفساد التي، عوضا عن أن تتنحى لتأمين الانتقال السلمي للسلطة استجابة لإرادة شعبنا الذي نزع ثقته عنها، خضعت ولا تزال تخضع لهذه الضغوط، وأوصلت البلاد بسياساتها الى الانهيار الخطير الذي يجب أن تتحمل هي مسؤوليته وحدها».

 

ويرد خليل على تحركات بعض الأحزاب مثل «التيار الوطني الحر» في وجه بعض سياسات السلطة مثل حاكمية مصرف لبنان، بالتأكيد أن أساس المشكلة تبقى في طبيعة النظام، متسائلا «هل استفاق التيار فجأة على هذه السياسة بعد أن تمت المحاصصة بين أركان السلطة في كل شيء؟ ثم هل هم تغيروا فعلاً».

 

وهو يلفت الى مواجهة مفتوحة مع السلطة عبر تعزيز الانتفاضة وذلك ما تضمنه البيان الختامي الذي أعلن عن ورقة تكون أساس «إئتلاف سياسي وطني» سيبقى مفتوحاً أمام المشاركة من الخارج من قبل المتعاطفين معه. ويشير الى أن الإئتلاف القائم يختلف عن تكوين جبهة جامعة، «وسيكون لنا لقاءات مقبلة في مرحلة من النقاش الجدي والعميق»، وذلك لتغيير موازين القوى وانتاج البديل السياسي للسلطة السياسية المسؤولة عن الأزمة.

 

القضاء.. الهدف الأبرز

 

في موازاة توحيد الجهود، يتركز جهد كبير من قبل مجموعات في الحراك على معركة «تحرير» القضاء من هيمنة السياسيين بوصفه اللبنة الأولى في هذه الظروف على طريق ضرب السلطة السياسية، في الوقت الذي يتهم فيه كثيرون الحراك بـ«العبثية» وبـ«التنظير».

 

ولعل القضاء يمثل نقطة بالغة الأهمية لكسر الحلقة الكارثية في البلاد الى جانب الهيمنة التحاصصية والطائفية متعددة الجوانب على السياسة والاقتصاد والاجتماع، وغيرها من مرافق الحياة في لبنان.

 

وحددت مجموعات في الحراك هدفها عبر معارك يومية لتحصين السلطة القضائية المنوطة بحماية اللبنانيين والتعسف الإقتصادي والأمني في حقهم. تحضر هنا عناوين كبرى مثل ودائع اللبنانيين في المصارف وقروض الإسكان، حسب الناشط في «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» جورج عازار الذي يشدد لـ»اللواء» على أهمية الانتقال الى مرحلة جديدة في الانتفاضة التي حققت الكثير حتى الآن.. وينتظرها أكثر.

 

نزل عازار وغيره من الناشطين، على الأرض للمطالبة باستقلالية القضاء. قاموا باعتصامات متتالية من دون كلل كان آخرها أمام قصر العدل أمس، «في صراع مع تنين السلطة متعدد الرؤوس» حسب عازار. هو يؤكد أن ثمة أهمية كبيرة اليوم لمنع السلطة من دفع «اليوروبوند» أولا، وإعادة جدولة الدين، مع العمل على موضوع إستعادة الأموال المنهوبة علما بأن لبنان قد وقع على الإتفاقية الدولية متعددة الاطراف لمكافحة التهرب الضريبي الدولي.

 

ويشير الى كارثية الوضع الحالي في ظل التراجع المستمر لترتيب لبنان في التصنيفات العالمية

 

في الموضوع المالي، ما يؤدي الى رعب إضافي في الأسواق المالية.

 

ومع التحرك المباشر لـ»التيار الوطني الحر» في وجه حاكم مصر لبنان رياض سلامة والمصارف، ثمة «شمولية في المعركة في وجه السلطة» ولا يمكن أخذها بـ»التقسيط» كما يؤكد عازار، الذي ينظر، كما غيره في الحراك، بحذر الى التحرك العوني.

 

والواقع أن الحراك يرحب بجمهور الأحزاب اذا أحبت الانضمام الى تحركاته وليس بقياداتها التي أفقدت ثقة الناس بها. على أن المجموعات الناشطة ترفض وصم تحركاتها بـ«الضمور». الثورات ليست دائما في حالة صعود، حسب عازار. «هي في حاجة الى تنظيم في هذه المرحلة، علما بأن تحركات المناطق، وأبرز أمثلتها تحركات البقاع، باتت مؤطرة». وهو يستشهد بلقاء مسرح بيروت الذي شارك «المرصد» فيه «والذي يؤسس الى مرحلة جديدة».