عجز الموازنة يرتفع وتوقعات بوصوله إلى أكثر من 7 مليار دولار أميركي هذا العام
الستاتيكو الحكومي رهن زيارة ديفيد هيل الذي يحمل في جعبته «عصا وجزرة»
جريمة المرفأ التي دمّرت أكثر من 80% من البنية التحتية لمرفأ بيروت وألحقت أضرارًا ضخمة في منطقة مار مخايل – الجميزة وطالت أضرارها مناطق أبعدّ، وصلت إلى السراي الحكومي لتترك أثارها داخل السراي وتؤدّي إلى إخراج حكومة حسان دياب منها.
الأضرار التي طالت المرفأ أخذت بالظهور أكثر فأكثر حتى صرنا نُقدّر الخسائر في البنى التحتية للمرفأ وما كان عليه ما بين الـ 200 إلى 300 مليون دولار أميركي. وفي حال تبين أن الأرضية للمرفأ مُتضررة، فقد تصل كلفة إعادة الإعمار إلى حدود الـ 500 مليون دولار.
أما الأضرار غير المباشرة مثل الخسائر في القطاع السياحي والضرر في الشركات التي كانت في محيط المرفأ أو الشركات التي تعتمد على المرفأ في نشاطها الإقتصادي أو الخسائر في الوظائف أو الخسائر في الصادرات… فهي تُقدّر ما بين 5 إلى 10 مليار دولار أميركي وقد تكون أكثر من ذلك إذا لم يتمّ إعادة بناء المرفأ.
هذه الأضرار ستنعكس في الناتج المحلّي الإجمالي الذي سينخفض إلى مستويات أقلّ من المستويات التي نصّت عليها الخطة الحكومية مما سيجّعل الناتج المحلّي الإجمالي المتوقّع للعام 2020 ما بين 25 إلى 52 مليار دولار أميركي مما يعني أن لبنان خسر نصف إقتصاده في ظرف عام واحد!!!
هذا الأمر يضرب كل أرقام الحكومة وخصوصًا النسب (ratios ) التي إستندت عليها الحكومة في خطتها ويجعل من هذه الخطة غير صالحة للمفاوضات. وبالتالي فإن حكومة تصريف الأعمال (في حال إستئناف المفاوضات مع صندوق النقد) مُلزمة إعادة صياغة الخطّة للأخذ بعين الإعتبارات المُعطيات الجديدة.
أمّا في حال تمّ إستثناف المفاوضات بعد تشكيل حكومة جديدة، فإن الحكومة العتيدة مُلزمة تقديم خطّة وخارطة طريق تحوي على إجراءات إصلاحية لها نتائج فورية تُعيد الثقة إلى الإقتصاد بهدف تحفيز الإستثمارات خصوصًا من الدول الخليجية والبنك الدولي. هذه الخطّة تتضمّن أيضًا الواقع الجديد الذي وصل له الإقتصاد اللبناني وخصوصًا من ناحية تردّي الناتج المحلّي الإجمالي ولكن أيضًا المعطيات للمالية العامة.
وبالتحديد وبالحديث عن المالية العامة، نرى أن الضربة التي فتكت بمرفأ بيروت طالت أيضًا المالية العامة من ناحية المداخيل مع إنعدام النشاط الإقتصادي المرتبط بالمرفأ وهو الذي يُشكّل 60% من إجمالي النشاط الإقتصادي للشركات. أي بمعنى أخر، فإن المداخيل المتوقعة إن على صعيد الجمارك أو الضريبة على المداخيل لن تكون على الموعد وهو ما سيؤدّي إلى تسجيل مزيد من العجز ليصل إلى أكثر من 7 مليار دولار أميركي هذا العام بعدما كان متوقّعًا أن يكون أكثر من 5 مليار دولار أميركي قبل الكارثة في المرفأ ناهيك عن التعويضات والنفقات التي لها علاقة بالكارثة على المرفأ.
على هذا الصعيد يتوجّب القول إنه من الواجب على شركات التأمين التي أن تتحمّل جزءاً من التعويضات التي لها علاقة بالعقد الموقّع مع الزبائن. وقد علمت جريدة الديار أن شركات التأمين الأجنبية إتصلت بنظيراتها اللبنانية وأبدت إستعدادها التعويض ضمن العقود الموقعة معها وطرحت مساعدتها التقنية في تخمين الأضرار. إلا أن التحقيق في أسباب التفجير في المرفأ قد تُغيّر المعادلة في حال كان الإنفجار ناتج عن عمل عسكري! في هذه الحالة يصعب تحميل شركات التأمين الكلفة وبالتالي فإن الخزينة العامة هي من ستتحمّل الكلفة.
الخطوات للخروج من الأزمة في المرحلة القادمة أصبحت معروفة وقد قالها المُجتمع الدولي على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي شدّد على تغيير النظام السياسي (؟) القائم، الإصلاحات الإقتصادية، التدقيق المالي وذلك بهدف تحرير المساعدات الدولية للبنان.
شكل الحكومة سيُحدّد إلى حدٍ بعيد مصير لبنان في المرحلة المُقبلة من شخص رئيس الحكومة وصولا إلى الوزراء مرورًا بالخطة الحكومية. وإذا كانت هذه الأمور واضحة المعالم، إلا أنها ليست الحسابات الوحيدة التي تلعب دورًا في الوضع الإقتصادي. فملف ترسيم الحدود جنوبًا يلعب دورًا كبيرًا في اللعبة الإقتصادية من ناحية تسهيل الحلول للدولة اللبنانية خصوصًا على صعيد التمويل لإعادة إعمار المرفأ والخروج من الأزمة الإقتصادية. ويأتي النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية ليفتح أبواب الخليج وخصوصًا على صعيد الإستثمارات التي هجرت لبنان منذ العام 2011 مع بدء الأزمة السورية.
من الظاهر أن الصعوبات التي ترافق ترسيم الحدود هي في طريق التذليل بحسب ما صرّح رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وتأتي زيارة الموفد الأميركي ديفيد هيل الذي من المفروض أن يصل إلى لبنان للبحث في ترسيم الحدود. لكن الأسئلة تبقى حول إذا ما كانت هذه المحادثات ستشمل الحدود البرية والبحرية أم ستقتصر على الحدود البحرية. ويرى بعض المراقبين في إرسال ديفيد هيل لهذه المهمّة بدل إرسال ديفيد شنكر دليل على تغيير في المنهجية الأميركية حيث أن شنكر هو أكثر تشدّدًا من هيل فيما يخص هذا الملف.
وتبقى معضلة تشكيل الحكومة التي من الصعب أن يتمّ تشكيلها بحسب المطالب الغربية بدون ضغوطات على الأحزاب السياسية. إذ من المتوقّع أن يتمّ التلويح بعقوبات أميركية للحصول على مرونة من قبل الأحزاب السياسية خصوصًا أن تفجير مرفأ بيروت أعطى الإدارة الأميركية الحجج اللازمة لفرض عقوبات على كل السياسيين الذين كانوا في موقع سلطة منذ العام 2013 وحتى تاريخ التفجير ضمن قانون ماغنيتسكي الدولي.
في المقابل، يحمل هيل في جعبته وعودًا بمساعدات عاجلة قد تتخطّى العشرة مليارات من الدولارات أي ما يزيد عن حاجة لبنان الآنية. وهذه الوعود تدخل ضمن الدعم الذي سيقدّمه صندوق النقد الدولي كما والإستثمارات الخليجية التي تنتظر حلحلة على الصعيد السياسي والقيام بإصلاحات ليتم تحرير المبالغ المرصودة والتي على الرغم من الواقع الإقتصادي الصعب الذي يمر فيه العالم جراء كورونا وإنخفاض أسعار النفط، ما زالت مرصودة للبنان.
في ظل هذه الأجواء، هناك أمر مُلفت يمرّ مرور الكرام والذي يحمل أبعاد قد تكون خطيرة، ألا وهو تجمّع العديد من السفن الحربية في مرفأ بيروت والمياه اللبنانية. وإذا كانت الحجّة الرسمية هو المساعدات الإنسانية إلا أن السؤال يبقى عن خطّة «ب» تمّ وضعها من قبل الغرب في حال كان هناك رفض من قبل السلطات اللبنانية لكل العروضات الغربية والتي بالطبع ستُشكّل سيناريو مُظلم للبنان والمواطن اللبناني.
على صعيد أخر يستمر وباء كورونا بإجتياح الساحة اللبنانية مع تسجيل إصابات يومية بحدود الـ 300 إصابة ووفيات يومية بمعدّل 2 إلى 3 وفيات. هذا الأمر يُصعّب المُستقبل ويجعل العودة إلى حياة إقتصادية طبيعية مشوارًا صعبًا يتطلب الإلتزام الكبير بالإرشادات من إرتداء كمامات والحفاظ على مسافات أمنة بين الأشخاص.
عمليًا يبقى اللبناني ضحية كل ما يجري مع توقعات بتراجع المستوى المعيشي للمواطن اللبناني، وسيتم ترجمة هذا التراجع بزيادة نسبة الفقر. وإذا كانت المُساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي تمنع الفقر المدقع من الإزدياد، إلا أن نسبة الفقر العامة ستزيد حكمًا في المرحلة المُقبلة مع تدني الدخل الفردي إلى أقل من 6500 دولار أميركي وستؤدّي في حال إستمرار الأزمة إلى إضطرابات إجتماعية عنيفة.