في غياب أيّ بارقة أمل بإعادة قطار تشكيل الحكومة إلى سكة «العمل الجدّي مجدداً»،مع كلام «جنرال بعبدا» و»ابو مصطفى» وخيبة «النجيب»، أقلّه في المدى المنظور، بعدما أُقفل طريق الوساطات والمعالجات، ربطاً بطبيعة التعقيدات التي تحكم الوضع الداخلي، والرهان على نتائج الحراك الخارجي، يبقى المناخ السياسي المشدود مخيّماً على البلاد، مع تسابق الملفات على احتلال الصدارة، ومع بلوغ الوضع نقطةً بالغة الحساسية تستوجب معالجات فورية قبل وقوع الكارثة، ومنها انهيار صوامع اهراءات القمح في ذكرى تفجير مرفا بيروت ،العابقة بروائح «الشبهات الجديدة» ولوائح الاسماء والوثائق المنشورة وتلك التي في طريقها الى النشر، فيما المحقق العدلي «معتكف فرضا» لا يزار ولا يزور.
صحيحٌ أن القاضي طارق البيطار قد دخل التاريخ من بوابته العريضة، بغباء خصومه في الدرجة الأولى، وبسبب طبيعة القضية التي تُعتبر جريمة العصر لبنانياً ثانياً، إلاّ أن الأهمّ، أنه فتح الباب على ظواهر وسوابق قضائية،مع «ضربه» الرقم القياسي في عدد طلبات الرد والعزل، فيما التحقيقات «ماشية تمام ووفقا للاصول اللبنانية»، عن سابق اصرار وتصميم، حسب المرسوم والمكتوب منذ الساعات الاولى للانفجار بكل ادوات الجريمة، من الديباجة الى الرواية المفصلة،كما بات معلوما، والتي «سقطت» في يد العدالة منذ الساعات الاولى للجريمة، مع ضبط «اهمال واخواته» بالجرم المشهود.
«معلم التلحيم وصبيانه»، ضابط أمن الدولة الذي سبب المصيبة من حشريته»، ما تبقى من فتيل تفجير ، بعض الاشلاء البشرية، و» شوية» موقوفين» سقفهم معروف» ليكتمل المشهد السريالي. فالتحقيق يسير وفقاً لمقتضيات» الوفاق الوطني» كما التوقيفات، وهي في غالبيتها من الفئة الرابعة وما دون، من» عيار معلم لحام، امين مستودع، حارس، وبقية المعزوفة، « ملحين ومبهرين» ببعض اصحاب الفئة الاولى. لا لزوم هنا للتأكيد على سرية التحقيقات والتكتم الشديد حفاظا على الادلة ولاسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية العليا والامن القومي اللبناني، خوفا من استغلال العدو لمصيبتنا وكشف امن مرافئنا.» بسيطة» هي بعض التصرفات المنفردة لاجهزة امنية» غير منضبطة» قامت بنشر بعض الوثائق والمستندات، لا لشيئ سوى انطلاقا من حرصها على «تنوير» الرأي العام وايضاح الصورة. لما لا طالما ان التحقيقات الشعبية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تفي بالغاية وتغني عن التحقيق الدولي.
المهم ان تلك التسريبات عززت عمل «اهل الخير» ، لتختلف وفقا لبورصة الوثائق نتائج جولات المنازلة بين بعبدا، السراي، اليرزة، سبيرز، رياض الصلح، العدلية، «والله اعلم ما خفي كان اعظم». هكذا يعيش اللبنانيون منذ الرابع من اب، «خبرية بتاخدن وخبرية بتجيبهم»، وبين الواحدة والاخرى ،وداع لضحية جديدة من هنا واصلاح «باب بيت» من هناك، وفي اكثر الحالات تفاؤلا من كان محظوظا و»الدولة عوضت عليه».
الى هنا لا شيئ غريب او مستبعد، فهذا هو لبنان، و» هيك بتمشي الامور فيه»، لدرجة ان فريق التحقيق الفرنسي تفاجا بان المرفا «مغطى» بكاميرات المراقبة باستثناء العنبر رقم 12 و»الله اعلم»، اما معطيات « الاقمار الروسية» فقد حجبت صورها ارواح الشهداء والضحايا للاسف ، وحدها مجموعات الـ «اف. بي. اي» حضرت الى بيروت على «اللس» مرات ومرات جامعة عشرات القطع الحديدية من المنازل والاشخاص ، لتحليلها في مختباراتها واعادتها الى اصحابها ،بعدما «كشفت المستور» . وحده «معلم الايليزيه» وقع في شر فعلته مع خسارته الانتخابات التشريعية ،بعد فوزه «ستروبيا « بالرئاسية ،هو الذي ظن انه قادر على ان «يضحك عاللبناني».
يقول المثل «شر البلية ما يضحك»، فقيادات هذا البلد «فالج ما تعالج» ، متلها متل قصة «دنب الكلب والقالب»، وشعبه «طول ما بعيدة عن ضهري ماشي الحال»، فلا تراهنوا على الحشود ولا على من يحزنون. لذلك ايها «اللبنانيون» اتكلوا على عدالة السماء ولا تراهنوا على معرفة القصة الحقيقية لكل ما حصل، فالمكتوب بينقرا من عنوانه، والعنوان «شرقوطة تلحيم وفرقيع ومفرقعات نارية وبراميل ميتانول فوقهم صاعق تفجير بطيء وحدن مدري كم الف كيلو نيترات الله واعلم».
الى اللقاء مع المصيبة التالية ، ليس ذلك من باب التشاؤم، لكن من باب الواقعية ، ربما في المطار، طالما العقلية والذهنية والطقم الحاكم نفسهم، والمتستر والمجرم والقاضي والشرطي نفسهم… ولمن يريد الحقيقة ،»ما إلكن بهالحالة» الا ميشال حايك وليلى عبد اللطيف… والا ….
اذا ما اصر اللبنانيون على معرفة كامل المسؤولية، ومعرفة المسبب الاساسي، عليهم الضغط باتجاه توقيف مدير واساتذة المدرسة التي درس فيها معلم التلحيم وصبيانه، وكذلك اهلهم لتحديد اسباب،»ليش ولادهم طلعوا جاهلين وحمير وما عرفوا يقدروا انو ما لازم يلحموا حد النيترات دامونيوم» . فمتى اجبنا على هذه الاسئلة فككنا اللغز، وما عاد مهما» كيف وليش ولمين ومن مين ولمين ولشو»، تصبح كلها تفاصيل.