لا شك بأن الدولة اللبنانية عاجزة تماماً عن اعادة اعمار مرفأ بيروت بقواها المالية الذاتية المنهارة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يضرب لبنان ويقذف بركانه الحمم اللاهبة على معيشة الأغلبية الفقيرة من أبناء شعبنا.
أما المسعى الفرنسي الهادف إلى تولي اعادة اعمار المرفأ فقد باءت مهمته بالفشل الذريع رغم أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان قد زار لبنان عقب الانفجار الجنوني مباشرةً.
لقد حاول ماكرون بعد فشل المهمة الفرنسية العمل مع الاماراتيين والكويتيين لاقناع لبنان بتولي فرنسا مهمة اعادة الاعمار ، لكن المحاولة حطت أيضاً على طريق الهزيمة.
وبالانتقال إلى التدخل الألماني بإعادة بناء المرفأ اللبناني عبر شركات خاصة وبواسطة مشروع تبلغ تكلفته مليارات الدولارات ، يهدف إلى تقسيم المرفأ إلى قسمين، الأول يعنى بمحطة الحاويات والثاني يهدف إلى تشييد مدينة صغيرة مخصصة للشأن السياحي في منطقة المرفأ مع تضمنها حدائق ومطاعم وشاطئاً رملياً ، فقد لاقى الطلب الألماني رفضاً محلياً إلى الآن وبالتالي لم يصل إلى شاطئ أمانه وخواتيمه السعيدة لان المعضلة تكمن باستحالة دخول أي شركة غربية إلى مجال الاعمار في لبنان بعد أن أعلنت بيروت رفضها تسديد سندات اليوروبوند ، ويذكر أن كلفة المشروع الألماني المفترض العمل به على فترات زمنية طويلة تمتد إلى عشر سنوات تبلغ بين 5 إلى 15 مليار دولار.
وبالنسبة إلى روسيا فقد قال الخبير الاقتصادي حسن المقلد نقلاً عن مسؤولين روس كبار في وزارة الخارجية وكبرى الشركات أن موسكو اتخذت قراراً بدخول لبنان لفرض نفوذها في أروقته ومراكز القرار فيه في المجالات السياسية والاقتصادية و المالية والثقافية.
ويمكن القول أنه بعيد الانفجار المروع الذي عصف بمرفأ بيروت تحول موقع المرفأ إلى منطقة جيوسياسية تسعى الدول العظمى من خلالها إلى اعادة اعماره نظراً لوجود أهداف تعزز النفوذ السياسي لكل دولة تتسابق على الاعمار ، وتهتم أي تلك الدول ، بالاعمار نظراً لأن مرفأ بيروت يعتبر أهم موقع استراتيجي في البحر المتوسط ويشكل مركز التقاء للقارات الثلاث اوروبا وآسيا وأفريقيا.
وبالمناسبة تعود نشأة مرفأ بيروت تاريخياً إلى الزمن الفينيقي وذكر اسمه للمرة الاولى في الكتابات بين الفراعنة والفينيقيين والتي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
ومنذ العصر الروماني تكونت هويته الاقتصادية وذاع صيته إذ عرف بكونه مركزاً تجارياً واقتصادياً هاماً ، لكن الزلازل دمرت المستعمرة الرومانية عام 551 وبقيت في حالة خراب حتى وفد المسلمون عام 635 في العصر الاموي وأعادوا بناء المدينة ليمسي المرفأ مركز الأسطول العربي الأول.
وعندما سيطر العثمانيون على بيروت وبلاد الشام أيقنوا وادركوا أهميته الاقتصادية والاستراتيجية وبنوا في العام 1888 شركة فرنسية تحمل اسم الشركة العثمانية لمرفأ بيروت وأرصفته ومخازنه برأس مال قدره 5 ملايين فرنك حينها.
ad
وفي اطار الصراع الدولي الدائر اليوم والحامي الوطيس على النفوذ لاعمار المرفأ اللبناني ووفق دراسة أعدها الخبير الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن جود بلانينشيت حملت عنوان موانئ خفيفة فإن شركات الشحن الصينية تصنع 96% من حاويات نقل البضائع وأكثر من 80% من رافعات الموانئ في العالم وشاركت في عمليات تشييد 116 مرفأً في 62 دولة حول المستديرة جمعاء. ومن البديهي أنّ تقاطع المصالح يتطلب تحالفات جيوسياسية ، إذ انه عندما نرى الصين على سبيل المثال لا الحصر تنجح في تعاونها مع ايران في مشروعات متعددة وأيضاً في تحالفها مع روسيا في هذا الاطار وخصوصاً أن روسيا تنفذ عقود استثمارات كبرى لشركات روسية في تشغيل مرفأ طرطوس ومحطة النفط في مرفأ طرابلس اللبناني الشمالي ، فإنه ومن جهة أخرى وفي اطار التنافس بالطبع تسعى فرنسا إلى تقوية نفوذها السياسي وتنفيذ مشاريعها بمشاركة بعض الدول الأوروبية التي تنسق بشكل كامل مع واشنطن ، وتعتبر فرنسا أن لبنان عليه أن يبقى مستقراً لكي يشكل بشكل نهائي بوابة حضورها السياسي ومصالحها الاقتصادية.
اما بالنسبة لرغبة المانيا في اعمار مرفأ بيروت ، فالخطة الألمانية تطمح إلى ابعاد غالبية أنشطة المرفأ عن وسط المدينة وتحويل الأجزاء الأكثر تضرراً فيه إلى منطقة سكنية.
فالمسؤول في شركة كولبي الألمانية هرمان شنيد أوضح أن المانيا تسعى إلى بناء شقق سكنية في منطقة مرفأ بيروت بأسعار مقبولة ومساحات خضراء وبنى تحتية جيدة وأضاف أن المشروع من المفترض أن يؤمن حوالي 50 الف وظيفة ، بينما أفاد لارس غرينر من شركة ميناء مدينة هامبورغ الاستشارية أن الخطة تهدف إلى تطوير مرفأ بيروت ليكون ذات مستوى عالمي رفيع.
إن بناء المرفأ اللبناني المدمر يعتبر من العوامل المساعدة لتحقيق هذا المراد ، ولا شك ان الدول تلك تسعى إلى حرب السباق حول تشييد المرفأ من باب محاولات الاستفادة من اكتشافات الغاز والنفط في المنطقة.
وبما ان مرفأ بيروت يعتبر النقطة الوحيدة الخارجة عن سيطرة كل الجهات والأطراف ، تعمل فرنسا والمانيا على شحذ الهمم باستثمار المرفأ بما يخدم مصالحهما.
وتعتبر واشنطن ان اعمار مرفأ بيروت سيجعل المساهمين في تشييده يسيطرون على حركة النفط والغاز والبضائع في منطقة جغرافية لا تزال تعتبر ملتهبةً بشدة.
اما بالنسبة لروسيا فإن وفداً استثمارياً روسياً زار لبنان وأعرب عن استعداد شركات روسية مساعدة لبنان عن طريق بناء 7 مشاريع انقاذية تشمل اعادة اعمار المرفأ وتحديث مرفأ طرابلس وبناء ثلاث محطات للطاقة بالاضافة إلى تأهيل مصفاتي النفط في الزهراني و طرابلس.