العوامل الداخلية والخارجية التي جعلت الفراغ يستوطن قصر بعبدا ازدادت تعقيداً
مواقف البطريرك العائد من الفاتيكان تؤكِّد بأن انتخاب الرئيس بعيد المنال
الجهد ينصبّ على تفعيل عمل الحكومة والإنصراف باتجاه معالجة القضايا الحياتية والمعيشية
لو لم يكن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي متيقناً بأن أحداً من المرشحين إلى الرئاسة العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية لن ينسحب لصالح الآخر، لما كان أعلن أن لا فائدة من جمع الأقطاب الموارنة الأربعة والذهاب إلى الدعوة لإنتخاب واحد من إثنين أو ثالث، وبذلك دليل واضح بأن الاستحقاق الرئاسي ما زال بعيد المنال، وأن العوامل الداخلية التي تحول دون إتمام العملية الانتخابية لرئيس الجمهورية هي على قدر العوامل الإقليمية والدولية غير المساعدة للوصول إلى هذا الهدف، وبذلك فإن اتفاق معراب وغيره سيبقى واقفاً على عتبة فراغ كرسي الرئاسة في بعبدا فترة إضافية غير محددة بوقت معيّن.
هذا الموقف للبطريرك الماروني العائد من روما يدلّ بشكل واضح أن لا استعداد عند الفاتيكان للتدخّل المباشر في هذا الاستحقاق وأن دوره يقتصر على إبداء الرغبة في انتخاب رئيس وحثّ الأفرقاء على ذلك، مستخدمين سياسة النأي بالنفس تجاه أي مرشّح أو التدخّل لإنسحاب هذا المرشح لذاك، وهو ما يعني بأن الساحة المسيحية ستبقى لفترة طويلة عُرضة لشدّ الحبال ومعركة عضّ الأصابع سيّما وأن ما يرشح عن بنشعي يؤكّد بأن النائب فرنجية ليس في وارد سحب ترشيحه وكذلك العماد ميشال عون وهو ما يعني أن استمرار غياب التوافق، والانكفاء عن النزول إلى المجلس والاحتكام إلى الصندوقة سيجعل جلسة الثامن من شباط بحكم المؤجّلة إلى موعد آخر.
تؤكّد أوساط سياسية متابعة أن ما يجري على المستوى الرئاسي لا يقدّم ولا يؤخّر وإن كانت من حسناته خلق حالة من الاسترخاء في الشارع المسيحي، فالظروف غير ناضجة بعد لإتمام هذا الاستحقاق لا عن طريق التفاهم على مرشّح واحد، ولا من خلال النزول إلى المجلس واختيار واحد من إثنين وربما ثالث أيضاً، فالعوامل الداخلية والخارجية التي جعلت الفراغ يستوطن في قصر بعبدا طيلة هذه المدة ما تزال على حالها، لا بل أصبحت أكثر تعقيداً في ظل المتغيّرات التي طرأت في الآونة الأخيرة لا سيما بعد اتفاق معراب بين العماد ميشال عون وسمير جعجع.
وتجزم هذه الأوساط بأن الاستحقاق الرئاسي سيبقى على حاله من المراوحة إلى أن تتظهّر صورة المشهد الإقليمي لا سيّما الوضع السوري الذي بدأ في الآونة الأخيرة يشهد متغيّرات لصالح النظام من شأنها أن تسرّع عملية الحوار التي ما تزال غير مضمونة النتائج وإن كانت روسيا تضغط في اتجاه انعقاد هذا الحوار بين النظام والمعارضة في ظل الإنجازات التي يحققها الجيش السوري على طول الحدود السورية مع تركيا والأردن، هذا ناهيك عن الوضع المتأزم على المستوى الإيراني – السعودي الذي يساهم إلى حدّ كبير في إعادة إنجاز الاستحقاق الرئاسي، مشددة على أنه في حال أُعيد ترميم الجسور بين الرياض وطهران من خلال الدور الذي تلعبه باكستان في هذا المجال فإنه يمكن القول بأن انتخاب الرئيس أصبح في قبضة اليد وما عدا ذلك فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة إلى ما شاء الله.
وفي تقدير الأوساط السياسية أن هناك مبالغة كبيرة في تعليق الآمال على إمكانية أن يحضر الاستحقاق الرئاسي بشكل جدّي في مباحثات الرئيس الإيراني خلال جولته الأوروبية، فإن ذلك وإن حصل لن يشكّل قوة دفع في اتجاه إنجازه، وإن الكلام سيقتصر على الرجاء والتمنيات، لأن مفتاح هذا الاستحقاق من الصعب العثور عليه قبل انقشاع الرؤية على مستوى الأحداث الجارية في المنطقة وأبرزها الأزمة السورية.
وعمّا إذا كان من الممكن الوصول إلى تفاهمات داخلية بمعزل عن الإقليم لإجراء إنتخابات رئاسية في لبنان تُسارع هذه الأوساط إلى استبعاد ذلك بالنظر إلى التركيبة السياسية والطائفية الموجودة وارتباطات الأفرقاء السياسيين لجهات خارجية، مشددة على أن لا مؤشرات تُفيد بإمكانية أن يتراجع فرنجية لصالح عون أو العكس، وهو ما يجعل حسم هذا الملف مؤجلاً حتى إشعار آخر، أو على حدّ تعبير الرئيس برّي لا معلّق ولا مطلّق.
وحيال غياب أي معطيات بإمكانية أن تكون جلسة انتخاب الرئيس في وقت قريب، فإن الجهد سينصبّ في المرحلة الراهنة على تفعيل عمل الحكومة وإنجاز بعض الملفات العالقة وفي مقدمها التعيينات العسكرية لأن حصول التفاهم على هذا الملف سيشرّع الأبواب أمام عمل مُنتج للحكومة على المستوى الحياتي والمعيشي حيث أن هناك العشرات من المشاريع الموجودة في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء بحاجة إلى موافقة المجلس لتصبح نافذة، حيث من غير المستبعد أن يلجأ رئيس الحكومة في حال جرت الأمور بشكلها الإيجابي إلى الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء مرتين في الأسبوع تجنّباً لجدول الأعمال المتخم بالقضايا حيث أن جدول الأعمال لجلسة الخميس تجاوز الـ375 بنداً.