مواقف القوى السياسيّة: هبّة باردة وهبّة ساخنة ولا نوايا ملموسة للتنازلات
هل يشكِّل ربط الموفد الفرنسي تمويل «سيدر» بحكومة جديدة حافزاً للسرعة في التأليف؟
تردِّي الوضع الإقتصادي يهدِّد العشرات من المؤسّسات والمحال التجارية بالإقفال ورفع منسوب البطالة
بين هبة باردة وأخرى ساخنة فإن تأليف الحكومة ما زال يستوطن المربع الأول، إذ وعلى الرغم مما قيل ويقال عن تسوية تلوح في الأفق نتيجة تنازل من هنا وهناك فإن الأفق ما زال مقفلاً امام أي مؤشرات إيجابية توحي بإمكانية الوصول إلى خواتيم سعيدة في وقت قريب في ما خص تأليف الحكومة، حيث ما إن ينجح أصحاب الشأن في حل عقدة حتى تبرز عقدة جديدة وهذا ما جعل العاملين على خط التفاوض يصابون بدوار ويدخلون في دوّامة تجعلهم غير قادرين على ضرب موعد محدّد ونهائي لولادة الحكومة.
إن من رصد الموقف السياسية في الساعات الماضية خصوصاً تلك التي أطلقت من خلدة باتجاه المختارة وكذلك العكس، وما يعلن من معراب مباشرة أو عبر الواسطة، وما تضمنه بيان تكتل «بيان القوي» الأخير يُدرك كامل الادراك ان الوصول إلى توليفة حكومية ما زال بعيد المنال لا بل ان البعض من الذين يتابعون مسار التأليف بدأوا يتوجسون خيفة من ان نكون امام مرحلة من التأزم السياسي الذي يُدخل البلد في آتون صراعات لا طاقة للبنانيين على تحملها، سيما وان «الغول» الاقتصادي بدأ يضرب في المؤسسات والمحال التجارية بالطول والعرض حيث ان هناك العشرات من المحال التجارية قد أقفلت، وأن هناك العديد من المؤسسات تتحضر لإغلاق أبوابها مما سيتسبب برمي مئات المواطنين في الشارع عاطلين عن العمل، ناهيك عن الخوف من ان تذهب الوعود الدولية التي أعطيت للبنان في المؤتمرات الأخيرة ادراج الرياح، حيث ان ما من دولة قريبة كانت أم بعيدة ستمد يد العون لبلد بات يقف على شفير الهاوية، وهذا الأمر لطالما حذر منه الرئيس نبيه برّي والعديد من المسؤولين اللبنانيين إضافة إلى الكثير من التحذيرات الدولية التي جاءت على لسان أكثر من موفد بأن الوضع السياسي الراهن في لبنان لا يبشر بالخير ولا يُساعد على المضي في تقديم المساعدات لهذا البلد.
وفي اعتقاد اوساط متابعة ان نهاية الأسبوع الحالي ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي تسلكه المفاوضات بشأن التأليف، ويفترض ان بتبين الخيط الأبيض من الخيط الاسود بعد ان يزور الرئيس المكلف رئيس الجمهورية بعد عودته من أرمينيا حيث ان المعلومات تُشير إلى ان الرئيس الحريري ربما يحمل إلى قصر بعبدا تشكيلة تتضمن خلاصة الاتصالات التي أجراها مع القوى السياسية في العشرة أيام الماضية، وأن الرئيس عون بالتأكيد سيكون له موقف منها، فإذا قبل بها يبلغ الرئيس برّي الذي سيكون موجوداً في جنيف وهو أبلغ زوّاره انه مستعد لقطع الزيارة والعودة إلى بيروت ما ان يتم الاتفاق على التشكيلة، اما إذا جاء ردّ رئيس الجمهورية سلبياً فإن ذلك يعني ان التأليف سيبقى في مدار الأخذ والرد وتتلاشى بذلك موجات التفاؤل التي ضخت في الساعات الماضية.
وتلفت الأوساط النظر إلى انه على الرغم من المواقف التي تتحدث عن انحسار الخلافات حول الحصص فإنه لم يبرز أي تقدّم ملموس في هذا الشأن، حيث ان العقدتين المسيحية والدرزية ما تزالا على حالهما، وأن التناتش على الحصص ما زال سيّد الموقف في التفاوض بفعل محاولة كل فريق رفع سقف مطالبه للحصول على حصة وازنة يعتبرها حقاً من حقوقه، وبذلك فإن مهمة الرئيس المكلف ما تزال صعبة وشاقة.
ولعل ربط الموفد الفرنسي بعد زيارته «بيت الوسط» ليل امس الإصلاحات وتأمين التحويل لمؤتمر «سيدر» بتشكيل الحكومة يشكل حافزاً للقيادات السياسية بأن يقوموا بتخفيض منسوب مطالبهم والذهاب في اتجاه تبادل التنازلات وصولاً إلى تأليف الحكومة التي يعلق عليها آمالاً كبيرة لوضع حدّ للتردي الاقتصادي الحاصل في البلد، وإعادة ضخ الدم في شريان المؤسسات والادارات العامة المصابة بنوع من الشلل بفعل القيود الموضوعة على عملها نتيجة تصريف الأعمال.
وفي هذا السياق تتوسَّم الأوساط خيراً من هذه الزيارة للموفد الفرنسي التي قد تشكّل قوة دفع في اتجاه استعجال التأليف خصوصاً وأن فرنسا دخلت وإن بشكل غير مباشر على خط الحث على الإسراع في تشكيل الحكومة للاستفادة من المساعدات الدولية للبنان، وهذا الأمر سيبلغه صراحة وبشكل مباشر اليوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للرئيس العماد ميشال عون خلال اللقاء الذي سيجمعهما في أرمينيا اليوم على هامش القمة الفرنكوفونية المنعقدة هناك.
وحيال هذا الواقع، فإن الأوساط السياسية المتابعة ترى ان الأيام التي تفصلنا عن نهاية شهر تشرين الأوّل ستكون مصيرية بشأن التأليف، وفي حال لم تبصر الحكومة النور فإن هذا يعني حتماً وجود قطبة مخفية تقف سداً منيعاً امام ولادة الحكومة العتيدة.