خلال الشهر المنصرم ارتفع سعر نفط القياس لإنتاج منطقة الشرق الاوسط من 48 دولاراً للبرميل الى 62 دولاراً، ومن ثم انكفأ الى مستوى 60 دولاراً.
ارتفاع اسعار النفط في وقت قصير بنسبة 25 في المئة ليس بالامر البسيط، فهذا الارتفاع مثلاً يؤدي الى زيادة مداخيل دول النفط في الخليج بما فيها العراق بما يساوي 23 مليون برميل يومياً بزيادة 12 دولاراً، أي ما يمثّل تحسناً يومياً في المداخيل يبلغ 276 مليون دولار. واذا تصورنا ان السعر سيرتفع الى مستوى 70 دولاراً يضاف الى مبلغ الزيادة اليومية 230 مليون دولار، فيكون وقع الارتفاع نصف مليار دولار يومياً او 180 مليار دولار سنوياً، وتكون بلدان الخليج قد عوضت نصف خسائرها. والسؤال هو هل الزيادة الاضافية متوقعة؟
يبدو ان ثمة أسباباً تدفع الى الاعتقاد أن سعر النفط مرشح للارتفاع، ونعرض لهذه الاسباب بدءاً بأسباب الارتفاع المتحقق حتى تاريخه.
قبل شهرين توقعنا ارتفاع اسعار النفط لأسباب عدة من أهمها الآتية:
– انخفاض انتاج النفط الصخري لأن تكاليف الانتاج في بعض حقول هذا النفط تبلغ أكثر من 70 دولاراً للبرميل، والشركات العاملة في هذا المجال كثيرة العدد وديونها مرتفعة تتجاوز الـ240 مليار دولار.
وبلغ انخفاض الانتاج ما يساوي 1٫5 مليون برميل من النفط الصخري، أي ما يوازي نسبة 40 في المئة من زيادة هذا الانتاج خلال ثلاث سنوات.
– إن انخفاض اسعار النفط ساعد على ضبط التضخم واستعادة النمو بنسب أعلى وان تكن بسيطة، الامر الذي دفع الصناعات الى زيادة الاعتماد على الطاقة، التي ينتج قسم كبير منها باستعمال محروقات النفط، كما انخفضت اسعار المشتقات النفطية للتدفئة واستعمال السيارات والشاحنات، فارتفع الاستهلاك.
– إن ارتفاع الاستهلاك بقوة في بعض البلدان الاوروبية وفي الولايات المتحدة أدى الى انخفاض المخزون الاستراتيجي من النفط الخام والمشتقات. فقد تراجع هذا المخزون في الولايات المتحدة الى أدنى مستوى له منذ سنوات، إذ وازى ستة ملايين برميل، أي أقل من مليون طن، واستهلاك الولايات المتحدة من النفط يبلغ أكثر من 20 مليون برميل يومياً، أي ثلاثة اضعاف المخزون الاستراتيجي، فكان لا بد من ارتفاع أسعار النفط.
– إن بداية “عاصفة الحزم” أدّت الى ارتفاع مستوى الحذر من تسبب هذه المبادرة العسكرية، التي تعتبر مواجهة مفتوحة مع ايران، بالتخوف من استمرار عمليات الاقتتال في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، كما ارتفاع حاجات مصر للاستهلاك بعد تحسن الاوضاع الاقتصادية وازمات انتاج الكهرباء العائدة الى تدني تسليمات الغاز عن حاجات محطات توليد الكهرباء.
* * *
هذه أسباب الارتفاع المتحقق حتى تاريخه والمتوقع اهم من ذلك لاسباب جوهرية تتعلق بقرار فصل شركة “أرامكو” عن وزارة النفط في السعودية، وتولي الامير محمد بن سلمان وزير الدفاع رئاسة “أرامكو” وهو شاب معروف بمثابرته وانصرافه الى العمل الجدي.
معلوم ان منظمة “أوبيك” لم تتمكن من اقرار خفض معدلات الانتاج في اجتماعها الاخير لمعارضة وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي الذي اقيل من منصبه في انتظار تسمية وزير جديد. وهو كان يدعو الى ربط الخفض في المملكة بخفض مماثل في بلدان غير اعضاء في منظمة “أوبيك” أهمها روسيا، والولايات المتحدة. ومعلوم ان الولايات المتحدة، في تنشيطها لانتاج الغاز والنفط الصخري، اسهمت الى حد بعيد في انخفاض اسعار النفط وحققت زيادة في عدد الوظائف المرتبطة بقطاع النفط وازت مليوني وظيفة وكانت السبب الرئيسي في انخفاض معدل البطالة الى ما دون نسبة ستة في المئة.
خلال الاشهر الثلاثة المنصرمة، كانت الجزائر، ونيجيريا، وفنزويلا تجهد لإقناع روسيا بخفض انتاجها، ذلك ان هذا الطلب لن يلقى استجابة الاميركيين. وبات ثمة تفاوت في الموقف بين بعض وزراء منظمة “أوبيك“، والمنظمة نفسها، وقد دعيت روسيا للانضمام الى محادثات مع وزراء “أوبيك” خلال الاجتماع المنتظر للمنظمة الشهر المقبل.
التعديلات التنظيمية في السعودية ورئاسة الامير محمد بن سلمان لـ“أرامكو“، الشركة الكبرى انتاجاً للنفط في العالم، ورئاسة الامير للمجلس الاقتصادي، و“عاصفة الحزم” وتكاليفها الجارية والمتوقعة تدفع الى الاعتقاد أن الامير الشاب قد يجد مصلحة للسعودية في خفض الانتاج مليون برميل يومياً في حال تعهد روسيا خفضاً مماثلاً. ولا شك في ان للسعودية وروسيا مصلحة في تبني سياسة كهذه. فالحصار الاقتصادي على روسيا بدأ يؤثر على الاقتصاد الروسي، وفي الوقت ذاته بدأت روسيا تستشعر ضرورة مؤازرة السعودية في مواجهة الجهاديين، وضبط استمرار الحرب في سوريا.
اننا نعتقد ان الارضية لتحقيق اتفاق روسي – سعودي على خفض الانتاج تبدو مختمرة، والولايات المتحدة لن تتخذ موقفاً انتقادياً لانها بدأت تعاني تأثير انخفاض انتاج النفط الصخري بسبب تدنّي أسعار النفط، كما بدأت تشهد تقلصاً في اعداد الشركات العاملة في مجالات الانتاج. ومعلوم ان المحافظة على مستويات انتاج النفط والغاز الصخري تقتضي زيادة منصات الانتاج بسرعة لان انتاج النفط الصخري ينخفض بنسبة 30 في المئة سنوياً، وبالتالي المحافظة على مستويات الانتاج تستوجب زيادة منصات التنقيب والانتاج، علماً بان عدد هذه المنصات انخفض عام 2014 بنسبة 50 في المئة، ولذا فان توقع الاتفاق الروسي – السعودي ليس مفرطاً في التفاؤل.
* * *
بالنسبة الى لبنان، توقع ارتفاع أسعار النفط يؤدي الى تناقص وفر دعم الكهرباء بما يساوي 200 مليون دولار سنوياً، وتالياً تسهم زيادة سعر النفط في تحفيز الرغبة في البحث والتنقيب عن النفط، الامر الذي يفرض تحرك مجلس النواب بأقصى سرعة لإقرار التشريعات اللازمة.