لم يخرج لبنان بالصدفة من كابوس الشغور الرئاسي الذي استمر نحو سنتين ونيّف. وعندما أدرك قادة المكونات اللبنانية ان الطوفان يهدر من البعيد، وشاهدوا بأمّ العين غراب الخراب ينعق على سطح دارهم، أصيبوا بالذعر، ودخلوا على عجل الى داخل الدار للاحتماء من الآتي الأعظم! وكان من حسن الطالع، لهم وللوطن، انهم في عجقة هرولتهم الى الداخل، تركوا ارتباطاتهم الخارجية والاقليمية على الرصيف، وعلى قارعة الطريق، وخارج باب الدار، بعد اقفاله وهم في الداخل! وهذا الاحتماء الاضطراري تحت سقف البيت الواحد، قاد الى تفاهمات لبنانية – لبنانية بحتة، أدت الى الخروج من دوامة الشغور، وولادة عهد جديد استبشرت به الغالبية الساحقة من اللبنانيين، واعتبرته فأل خير في الحاضر والمستقبل…
أرست هذه المرحلة الحساسة والمفصلية تفاهمات وأقامت توازنات جديدة على أرض الواقع، وفاجأت الجوار الاقليمي والقوى الدولية التي لم تجد خيارا بديلا غير القبول بالخيار اللبناني واعتماده روح المساكنة والاستقرار، بشق طريق آمن بعيدا عن حرائق المنطقة! واذا كان الغريب الأجنبي قد أقرّ بهذا الواقع وسلّم به، فكم بالأحرى بالشقيق القريب والبعيد على السواء؟! وثبات المعادلة اللبنانية الجديدة برئاسة العماد عون وحكومة الرئيس الحريري، دفقت على لبنان فيضا من الزوّار الكبار العرب والأجانب، وكان منهم في الآونة الأخيرة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون وتابعه ساترفيلد! وكذلك زائر كريم من المملكة العربية السعودية كان من الودّ واللياقة الى درجة انه اعتبر نفسه انه هو ربّ البيت، وان أهل البيت هم الضيوف لديه…
يحيط البعض زيارة الرئيس سعد الحريري الى المملكة بأجواء درامية، ويبث أجواء من الترقب والتهيّب والسسبنس، حول احتمالات ما قد ينتج عنها. مع ان من أبسط التوقعات ألاّ ينتج عنها إلاّ الخير للبلدين والشعبين الشقيقين، ولا شيء غير ذلك… بما يعني الدعم للتفاهمات اللبنانية – اللبنانية التي تمت تحت السقف الواحد في مرحلة الاحتماء من أعاصير الخارج. وأي خيار آخر لدى الرئيس الحريري، سيقود الى خيارات أخرى لدى الأطراف من قمة الهرم والى قاعدته وأطرافه! وهذا التوافق والتفاهم والاستقرار مستمر، أقلّه الى ما بعد اجراء الانتخابات النيابية العامة… وبعدها، لكل حادث حديث!